للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقرآن نطق به، وهو قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (١) فأمره باتباعه لهم إلى أن يحدث له شريعة تنسخ ما أمر به من اتباعه، وقد نسخ ما في حديث أنس [ما] (٢) كانت اليهود تفعله مع الحيَّض بقوله -عليه السلام-: "اصنعوا كل شيء ما خلا الجماع" فهذا فيه إباحة جماعها فيما دون الفرج.

وفي حديث عمر الإباحة لما فوق الإزار، والمنع مما تحت الإزار، فمن المحال أن يكون حديثه متقدمًا على حديث أنس؛ لأن في حديث عمر حظرًا لبعض ما في حديث أنس ومحرمًا له، فلا شك أن المُحرِّم متأخر عن المبيح، فهذا نسخ بدلالة التاريخ لا بعين التاريخ إذْ التاريخ لم يعلم، ولكن القاعدة: أن الإباحة والحظر إذا اجتمعا فالحظر أولى، ومن أبين الدلالة على تأخر حديث عمر -رضي الله عنه- أن في حديث أنس -رضي الله عنه- نزول قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} (٣) الآية. ولو كان سؤال عمر -رضي الله عنه- حَالَ نزول الآية لاكتفى بما ذكر أنس من قوله -عليه السلام-: "اصنعوا كل شيء ما خلا الجماع" فحيث لم يكتف وسأل عما للرجل من امرأته إذا حاضت، فدلَّ ذلك على أن سؤاله كان بعد ذلك. والله أعلم وأيضًا يعضد ظاهر قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (٣) خبر عمر -رضي الله عنه-، وخبر أنس يوجب تخصيصه، وما يوافق القرآن من الأخبار فهو أولى مما يخصّه.

وأيضًا إن خبر أنس مجمل تام، ليس فيه إباحة موضع بعينه، وخبر عمر -رضي الله عنه- مفسَّر فيه بيان لحكم الموضعين فيما تحت الإزار وما فوقه. والله أعلم.

...


(١) سورة الأنعام، آية: [٩٠].
(٢) في "الأصل، ك": "مما".
(٣) سورة البقرة، آية: [٢٢٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>