حدثنا إبراهيم بن محمد بن يونس وصالح بن عبد الرحمن، قالا: ثنا المقرىء -يعني أبا عبد الرحمن- قال: ثنا سعيد بن أبي أيوب، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت:"حدثتني جدامة ... " فذكر نحوه.
حدثنا ربيع الجيزي، قال: ثنا أبو زرعة، قال: أنا حيوة، عن أبي الأسود، أنه سمع عروة يحدث، عن عائشة، عن جدامة، عن رسول الله -عليه السلام- مثله.
ففي هذا الحديث أن رسول الله -عليه السلام- همَّ بالنهي عن ذلك، حتى بلغه أن فارس والروم يفعلونه فلا يضرّ أولادهم، ففي ذلك إباحة ما قد حظر الحديث الأول، فاحتمل أن يكون أحد الأمرين ناسخًا للآخر، فنظرنا في ذلك، فإذا روح بن الفرج قد حدثنا، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا سفيان بن عُيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: "أن النبي -عليه السلام- كان ينهى عن الاغتيال، ثم قال: لو ضرَّ أحدًا لضرَّ فارس والروم".
فثبت بهذا الحديث الإباحة بعد النهي، فهو أولى من غيره، ودلَّ نهي رسول الله -عليه السلام- عن ذلك من جهة خوف الضرر من أجله، ثم أباحه لما تحقق عنده أنه لا يضر؛ أنه لم يكن منع منه في وقت ما منع منه من طريق ما يحل ويحرم، ولكنه على طريق ما وقع في قلبه منه شيء، فأمر به على الشفقة منه على أمته لا غير ذلك.
ش: أشار بهذا إلى بيان دفع المعارضة بين الحديثين المذكورين وهما حديث أسماء بنت يزيد، وحديث أسامة بن زيد، أي: فأردنا أن نعلم أي الحديثين ناسخ للآخر؛ فحديث أسماء ناسخ أم حديث أسامة؟ وإنما عيَّن صورة النسخ من بين وجوه ما تدفع به المعارضة؛ لأن فيهما التحريم والإِباحة، ودفع أحدهما بالآخر من باب النسخ على ما عرف في موضعه؛ بيان ذلك: أن حديث أسماء فيه حظرٌ لأجل النهي فيه، وحديث أسامة فيه الإباحة، فوقع التعارض بينهما، فاحتمل أن يكون [أي](١) منهما ناسخًا للآخر، ولم يتحقق