أيهما الناسخ لعدم التاريخ, ووجدنا حديث جدامة بنت وهب أيضًا يدل على إباحة ما حظره حديث أسماء بنت يزيد، ولكن الاحتمال المذكور لم يُدْفع بعد، فنظرنا في هذا الباب فوجدنا حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- يدل على أن الإباحة بعد النهي؛ لأنه صريح في حديثه أن النبي -عليه السلام- كان ينهي عن الاغتيال ثم قال: لو ضرَّ أحدًا لضر فارس والروم، فتحقق من ذلك أن الإباحة بعد النهي، فثبت نسخ ما كان من الحظر في حيدث أسماء بنت يزيد، وهو معنى قوله:"فثبت بهذا الحديث" أي حديث ابن عباس "الإباحة بعد النهي فهو أولى، من غيره" أي فحديث ابن عباس أولى بالعمل من غيره؛ لأن فيه صريح الإباحة بعد الحظر بدون الاحتمال المذكور.
وأشار الطحاوي إلى أن حديث ابن عباس دلَّ على شيء آخر، وهو أن نهيه -عليه السلام- في حديث أسماء بنت يزيد لم يكن من طريق الوحي ولا من طريق التشريع لأمته، وهو معنى قوله:"ولا من طريق ما يحل ويحرم، وإنما كان على طريق ما وقع في قلبه من ذلك شيء فأمر به" -أي بترك وطء الحبالى على سبيل الشفقة منه على أمته لا غير ذلك، كما قد كان أمر بترك تأبير النحل فإن ذلك أيضًا لم يكن منه على طريق الوحي، وإنما كان ذلك على طريق الظن، ولهذا قال:"إنما هو ظن ظننته" على ما يجيء بيانه إن شاء الله.
قوله:"إنه لا يضر". فاعل لقوله: لما تحقق.
وقوله:"أنه لم يكن" متعلق بقوله: "ودلَّ نهي رسول الله -عليه السلام-" والتقدير: ودلَّ نهي رسول الله -عليه السلام- بأنه لم يكن منع منه، أي بأن رسول الله -عليه السلام- لم يكن منع من وطء الحبالى في وقت ما منع منه أي في وقت منعه إياه.
وكلمة "ما" مصدرية.
وقوله:"من طريق الوحي". متعلق بقوله:"لم يكن منع" فافهم.