ص: وقد وجدنا مثل هذا قد أباحه رسول الله -عليه السلام-:
حدثنا أبو بكرة وابن مرزوق، قالا: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا ثور بن يزيد، عن راشد بن سعد، عن عبد الله بن لُحَيًّ، عن عبد الله بن قُرْط، قال: قال رسول الله -عليه السلام-: "أحب الأيام إلى الله يوم النحر ثم يوم القرِّ، فقربت إلى رسول الله -عليه السلام- بدنات خمس أو ست، فطفقن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفقهها، فقلت للذي كان إلى جنبي: ما قال رسول الله -عليه السلام-؟ فقال: قال رسول الله -عليه السلام-: مَنْ شاء اقتطع".
فلما قال رسول الله -عليه السلام- في هذا الحديث:"من شاء اقتطع"، وأباح ذلك دلَّ هذا أن ما أباحه [ربه للناس](١) من طعام أو غيره فلهم أن يأخذوا من ذلك ما أحبوا، وذلك خلاف النهبة التي نهي عنها في الآثار الأُوَل، فثبت بما ذكرنا أن النهبة التي هي في الآثار الأُول هي نهبة ما لم يؤذن فيه، وإن أبيح ذلك وأُذن فيه فعلى ما في هذا الأثر الثاني.
ش: أي قد وجدنا مثل الانتهاب الذي نثر فيه رجل متاعه وأباحه لهم أخذه ونهبه ما قد أباحه رسول الله -عليه السلام- في حديث عبد الله بن قُرْط الأزدي الثمالي الصحابي، وكان اسمه شيطان بن قرط فلما أسلم سمَّاه رسول الله -عليه السلام- عبد الله، عِداده في الشاميين، وكان أميرًا على حمص من قبل أبي عُبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- وإنما قال مثل هذا؛ لأنه يماثل النثار الذي فيه الإذن والإباحة، وليس هو حقيقة النهبة؛ لأن قوله -عليه السلام-: "من شاء اقتطع" ليس بنثار حقيقة وإنما هو مجرد إباحة.
وأخرجه بإسناد صحيح: عن أبي بكرة بكَّار القاضي وإبراهيم بن مرزوق، كلاهما عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، عن ثور بن يزيد بن زياد الرحبي أبي خالد الشامي الحمصي، روى له الجماعة سوى مسلم، عن راشد بن سعد المقرائي، ويقال: الخبراني الحمصي، قال يحيى وأبو حاتم والعجلي والنسائي: ثقة.
(١) في "الأصل، ك": "به الناس"، والمثبت من "شرح معاني الآثار".