وأما حديث أبي أيوب -رضي الله عنه- فأخرجه الطبراني (١): نا محمد بن محمد الجذوعي القاضي، نا عقبة بن مكرم، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ثنا شعبة، عن عدي ابن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن أبي أيوب قال:"نهى رسول الله -عليه السلام- عن النهبة والمثلة".
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قومٌ إلى أن الرجل إذا نثر على قوم شيئًا وأباحهم أخذه أن أخذه مكروه لهم حرام عليهم؛ وذهبوا في ذلك إلى أنه من النهبة التي نهى عنها رسول الله -عليه السلام- في هذه الآثار.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح وعكرمة وإبراهيم النخعي والشافعي في قول؛ فإنهم قالوا: لا يجوز الأخذ من النثار على القوم من الذهب والفضة وإن كان الناثر أباح ذلك لمن أخذه؛ لأنه في معنى النهبة التي نهى عنها النبي -عليه السلام- في الأحاديث المذكورة.
ص: وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: النهبة التي نهى عنها النبي -عليه السلام- في هذه الآثار هي نهبة ما لم يؤذن في انتهابه، أما ما نثره رجل على قومه وأباحهم انتهابه وأخذه فليس كذلك؛ لأنه مأذون فيه، والأول ممنوع منه.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: عامرًا الشعبي والحسن البصري ومحمد بن سيرين والثرري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي في قول؛ فإنهم قالوا: النهبة ... إلى آخره. فالحاصل أن النهبة على نوعين:
الأول: حرام بالإجماع، وهي التي لا إذن فيها من صاحب المتاع ولا إباحة وهو المراد من الأحاديث المذكورة.
والثاني: مباح، وهي التي فيها إذن وإباحة، وسواء في ذلك الدراهم والدنانير والثياب وسائر الأمتعة والأطعمة.