منهي عن إيقاعه في الحيض، ثم إنه إذا جامعها وهي حائض وأراد أن يطلقها للسُنَّة فإنه يمنع من الطلاق حتى تطهر من هذه الحيضة التي جامعها فيها ومن حيضة أخرى مستقبلة بعدها، فلم يعتبر الطهر الذي يعقب الحيضة التي كان فيها الجماع، فصار حكمه كحكم نفس الحيضة، فلما لم يكن لهذا المجامع في الحيض أن يطلقها للسُنَّة حتى يكون بين جماعه الذي وقع في الحيضة وبين الطلاق الذي يريد وقوعه حيضة كاملة مستقبلة؛ كان القياس على ذلك يقتضي للذي طلق امرأته وهي حائض ثم أراد بعد ذلك أن يطلقها أنْ لا يطلقها حتى يكون بين طلاقه الأول الذي قد أوقعه وبين طلاقه الذي يريد وقوعه حيضة مستقبلة. فافهم.
فهذا وجه النظر في هذا الباب، وهو الذي ذهب إليه أبو يوسف ومَنْ ذكرناهم معه فيما مضى.
ص: وفي منع النبي -عليه السلام- ابنَ عمر أن يطلق امرأته بعد الطلاق الأول حتى يكون بعد ذلك حيضة مستقبلة فتكون بين التطليقتين حيضة مستقبلة دليلٌ أن حكم الطلاق في السُنَّة ألا يجمع منه تطليقتان في طهر واحد، فافهم ذلك فإنه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.
ش: هذه إشارة وتنبيه على فائدة تستنبط من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وهي خفيّة لا تظهر إلا لمن له بصيرة نَفَّاذَة وقريحة وقَّادة؛ فلذلك نبه على ذلك بقوله:"فافهم"، وهذه الفائدة هي التي تستفاد من منع النبي -عليه السلام- عبد الله بن عمر أن يطلق امرأته بعد طلاقه الأول وهي حائض حتى يكون بعد الطلاق الأول حيضة مستقبلة، ففي هذا دليل على أن حكم الطلاق في السُنَّة ألا يجمع بين تطليقتين في طهر واحد.
فإن قيل: كيف يفهم ذلك من هذا الحديث؟
قلت: لأن الحيضة التي وقع فيها الطلاق غير محسوبة من العدة، فكان إيقاع الطلاق فيها كإيقاعه في الطهر الذي يليها، ثم إنه -عليه السلام- أمره ألا يطلق بعد ذلك حتى تكون حيضة مستقبلة، فظهر من هذا أنه لو طلقها قبل الحيضة المستقبلة يكون مُوقِعًا