فهذا عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- وهو الذي روى عن رسول الله -عليه السلام- قوله لعمر:"فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" ولم يدل ذلك على أن الأقراء الأطهار، إذا كان قد جعلها الحيض.
حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا الوهبي، قال: ثنا محمد بن راشد، عن مكحول:"أنه قدم المدينة فذكر له سليمان بن يسار أن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- كان يقول: إذا طلق الرجل امرأته فرأت أُول قطرة من دم حيضتها الثالثة فلا رجعة له عليها، قال: فسألت عن ذلك بالمدينة، فبلغني أن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء كانوا يجعلون له عليها الرجعة حتى تغتسل من الحيضة الثالثة".
حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب، أنه سمع زيد بن ثابت يقول:"الطلاق إلى الرجال والعدة إلى المرأة، إن كان الرجل حرًّا وكانت المرأة أَمَة فثلاث تطليقات وتعتد عدة الأَمة حيضتين، وإن كان عبدًا وامرأته حرة طلق طلاق العبد تطليقتين واعتدت عدة الحرة ثلاث حيض".
فلما جاء هذا الاختلاف عنهم؛ ثبت أنه لا يحتج في ذلك بقول أحد منهم؛ لأنه متى احتج محتج في ذلك بقول بعضهم احتج مخالفه عليه بقول مثله، فارتفع ذلك كله أن يكون حجة لأحد الفريقين على الفريق الآخر.
ش: أي: قيل لهؤلاء الذين احتجوا في قولهم: إن الأقراء هي الأطهار بآثار عائشة وعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت -رضي الله عنهم-: نعم الاحتجاج بهذه إنما يتم ويستقيم أي لو لم يختلف أصحاب رسول الله -عليه السلام- في ذلك فأما إذا اختلفوا فيه، فمنهم مَن قال ما ذكرتم، ومنهم من قال بخلافه لم تجب لكم بذلك حجة؛ لأنه إذا كان الأمر كذلك لا يتم الاستدلال لأحد الخصمين؛ لأن أحدهما إذا ادعى أن الأقراء هي الأطهار واحتج على ذلك بآثار تدل على مدعاه؛ ينتهض الخصم الآخر ويقول: بل الأقراء هي الحيض، ويستدل على ذلك بآثار تدل على مدَّعاه،