للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "إذا كان قد صرف" أي حين كان سعيد بن المسيب صرف ذلك أي معنى حديث فاطمة إلى المعنى الذي ذكرناه عنه، وهو قوله: "تلك امرأة أفتنت الناس" وإنما قال: هذا حين عارضه ميمون بن مهران بحديث فاطمة بنت قيس حين قال له سعيد بن المسيب: "تعتد في بيتها" وأراد أن السبب في أمر رسول الله -عليه السلام- فاطمة بالانتقال إلى بيت ابن أم مكتوم إنما كان لكونها قد استطالت بلسانها على أحمائها، فأمرها بالانتقال؛ فأمرها بالنقلة لأنها كانت لَسِنة أي طويلة اللسان، وقال الله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (١). وقد روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- في تأويله: أن تستطيل على أهلها فيخرجوها، ولما كان سبب النقلة من جهتها؛ كانت بمنزله الناشزة، فسقطت نفقتها وسكناها جميعًا، فكانت العلة الموجبة لإسقاط النفقة هي الموجبة لإسقاط السكنى.

فإن قيل: ليست النفقة كالسكنى، لأن السكنى حق الله تعالى لا يجوز تراضيهما على إسقاطها، والنفقة حق لها ولو رضيت بإسقاطها لسقطت.

قلت: لا فرق بينهما من الوجه الذي وجب قياسًا عليها، وذلك أن السكنى فيها معنيان:

أحدهما: حق الله تعالى؛ وهو كونها في بيت الزوج.

والآخر: حق لها وهو ما يلزم في المال من أجرة البيت إن لم يكن له، ولو رضيت بأن تعطي هي الأجرة من مالها وتسقطها عن الزوج جاز فمن حيث نفي حق في المال قد استويا.

فإن قيل: قال ابن حزم: هذا مرسل، لا ندري مَنْ أخبر سعيد بن المسيب فهو ساقط.

قلت: اعتراض ابن حزم ساقط؛ لأن مراسيل سعيد بن المسيب كلها صحاح ومراسيله مسانيد، وقال شمس الأئمة: والحسن وسعيد بن المسيب وغيرها من أئمة


(١) سورة الطلاق، آية: [١].

<<  <  ج: ص:  >  >>