للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التابعين كان كثيرًا ما يروون مرسلاً، حتى قال: أكثر ما رواه سعيد بن المسيب مرسلاً إنما سمعه من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ ولهذا قال عيسى بن أبان: المرسل أقوى من المسند؛ لأن من اشتهر عنده حديث فإن سمعه بطرق طوى الإسناد؛ لوضوح الطريق عنده وقطع الشهادة بقوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإذا سمعه بطريق واحد لا يتضح الأمر عنده على وجه لا يبقى له فيه شبهة، فيذكره مسندًا على قصد أن يحمله ما تحمل عنه.

وقال الشافعي: لا أقبل من المراسيل إلا مراسيل سعيد بن المسيب فإني تتبعتها ووجدتها مسانيد.

فإن قيل: فعلى ما ذكرت ينبغي أن يجوز النسخ بالمراسيل كما يجوز من الإخبار بالمشهور عندكم.

قلت: إنما لم نجوِّز ذلك؛ لأن قوة المرسل من هذا الوجه بنوع من الاجتهاد، فيكون نظير قوة ما ثبت بطريق القياس، والنسخ بمثله لا يجوز.

ص: وقد حدثنا نصر بن مرزوق وابن أبي داود، قالا: ثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن فاطمة بنت قيس أخبرته، أن رسول الله -عليه السلام- قال: "اعتدي في بيت ابن أم مكتوم، فأنكر الناس عليها ما كانت تحدث به من خروجها قبل أن تحل".

فهذا أبو سلمة يخبر أيضًا أن الناس قد أنكروا ذلك على فاطمة، وفيهم أصحاب رسول الله -عليه السلام- ومن لحق بها من التابعين؛ فقد أنكر عمر وأسامة وسعيد بن المسيب مع من سمَّينا معهم حديث فاطمة بنت قيس هذا، ولم يعملوا به، وذلك من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بحضرة أصحاب رسول الله -عليه السلام- فلم ينكر ذلك عليه منكِرٌ، فدلَّ تركهم النكير في ذلك عليه؛ أن مذهبهم فيه كمذهبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>