قلت: كل ما ذكره تنقضه رواية الطحاوي؛ لأنه صرَّح فيها بأنه -عليه السلام- قال لها:"انتقلي" فافهم.
ص: فقال قائل: وكيف يجوز هذا وفي بعض ما قد رويت في هذ الباب أنه طلقها وهو غائب -أو طلقها ثم غاب- فخاصمت ابن عمه في نفقتها، وفي هذا أنها كانت تخافه، فأحد الخبرين يخبر أنه كان غائبًا، والخبر الآخر يخبر أنه كان حاضرًا فقد تضاد هذان الخبران؟
قيل له: ما تضادَّا؛ لأنه قد يجوز أن تكون فاطمة لمَّا طلقها زوجها خافته على الهجوم عليها، فسالت النبي -عليه السلام- فأفتاها بالنقلى، ثم غاب بعد ذلك ووكل ابن عمِّه بنفقتها، فخاصمت حينئذٍ في النفقة وهو غائب، فقال لها رسول الله -عليه السلام-: "لا سكنى لكِ ولا نفقة" فاتفق معنى حديث عروة هذا ومعنى حديث الشعبي وأبي سلمة ومَنْ وافقهما على ذلك عن فاطمة.
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
ش: تقرير السؤال أن يقال: إن حديث هشام بن عروة يخبر أن زوج فاطمة بنت قيس قد طلقها وهو حاضر، وفي حديث الشعبي وأبي سلمة وغيرهما أنه طلقها وهو غائب، وبين الخبرين تضاد.
والجواب ظاهر، وحاصله أنه طلقها وهو حاضر ثم غاب، والدليل عليه رواية أبي الزبير المكي "أنه سأل عبد الحميد بن عبد الله بن أبي عمرو بن حفص عن طلاق جده أبي عمرو فاطمة بنت قيس، فقال له عبد الحميد: طلقها البتة ثم خرج إلى اليمن"، فهذا صريح في أنه طلقها وهو حاضر ثم سافر بعد الطلاق، بل رواية داود بن أبي هند وسيار ومجالد عن الشعبي تنوه بأنه إنما سافر بعد الطلاق، وبعد مخاصمة فاطمة إياه إلى رسول الله -عليه السلام- حيث صرح الشعبي في روايته وقال:"دخلت على فاطمة بنت قيس بالمدينة فسألتها عن قضاء رسول الله -عليه السلام- عليها فقالت: طلقني زوجي البتة، فخاصمته إلى رسول الله -عليه السلام- في السكنى والنفقة".