للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: قد صرح بذلك في رواية بأنه طلقها وهو غائب، حيث قال مالك عن عبد الله بن يزيد، عن أبي سلمة، عن فاطمة بنت قيس: "أن أبا عمرو بن حفص طلقها البتة وهو غائب فأرسل إليها وكيله بشعير ... " الحديث.

قلت: قوله: "وهو غائب" جملة اسمية وقعت حالًا، ولكنها من الأحوال المنتظرة، تقديره: طلقها البتة والحال أنه يريد الغياب في السفر لا أنه طلقها وهو غائب حقيقة، ونظير هذه الحال نظير قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} في قوله: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (١) ما يريد الدخول ما كانوا محلقين، وإنما معناه: مقدرين التحليق، فكذلك ها هنا معناه: طلقها وهو مقدر السفر والغياب، ولولا هذا التقدير لم يندفع التعارض. فافهم.

قوله: "ووكل ابن عمه" أي وكل زوج فاطمة وهو أبو عمرو بن حفص بن عمر ابن عمه وهو عياش بن أبي ربيعة المخزومي -رضي الله عنه-.

ص: وأما وجه ذلك من طريق النظر: فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن المطلقة طلاقًا بائنًا وهي حامل من زوجها أن لها النفقة على زوجها، وبذلك حكم الله لها في كتابه فقال: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (٢)، فاحتمل أن تكون تلك النفقة جعلت على المطلق؛ لأنه يكون عنها ما يغذي الصبي في بطن أمه، فيجب ذلك عليه لولده كما يجب عليه أن يغذيه في حال رضاعه بالنفقة على من ترضعه وتوصل الغذاء إليه، ثم يغذيه بعد ذلك بما يغذى به مثله من الطعام والشراب، فيحتمل أيضًا إذا كان حملا في بطن أمه أن يجب على أبيه غذاؤه بما يغذى به مثله في حاله تلك من النفقة على أمه؛ لأن ذلك يوصل الغذاء إليه.

ويحتمل أن تكون تلك النفقة إنما جعلت للمطلقة خاصة لعلة العدة لا لعلة الولد الذي في بطنها، فإن كانت النفقة على الحامل إنما جعلت لها لمعنى العدة؛ ثبت قول الذين قالوا: للمبتوتة النفقة والسكنى حاملاً كانت أو غير حامل.


(١) سورة الفتح، آية: [٢٧].
(٢) سورة الطلاق، آية: [٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>