وأم سلمة وأم حبيبة وغيرهن على ما يجيء إن شاء الله، وأمرت المعتدة بالإحداد عليه أربعة أشهر وعشرًا، وكلهم أجمعوا على هذا النسخ لتركهم حديث أسماء بنت عميس واستعمالهم أحاديث هؤلاء المذكورات، فإن كان كذلك؛ يُحتمل أن يكون ما أمرت به خالة جابر كان والإحداد إنما هو في ثلاثة أيام من العدة ثم نسخ ذلك وجعل الإحداد في كل العدة؛ فكذلك نسخ الآخر بذلك أيضًا؛ فإن جابرًا -رضي الله عنه- قد روى عن النبي -عليه السلام- في إذنه لخالته في الخروج، ثم قال هو بخلافه على ما يأتي، فهذا أيضًا دليل على ثبوت نسخ ذلك عنده؛ إذ لو لم يكن عنده علم من النبي -عليه السلام- بأن ذاك منسوخ لم يكن يقدم إلى القول بخلاف ما روى؛ وذلك لأن الراوي إذا ظهر منه المخالفة قولاً أو فعلاً لما رواه، لا يخلو عن حالات: إما أن تكون روايته تلك تَقَوّلًا منه لا عن سماع، أو تكون فتواه وعمله بخلاف روايته على وجه قلة المبالاة والتهاون بالحديث، أو عن غفلة ونسيان، أو يكون ذلك منه على أنه علم انتساخ حكم روايته. فكل هذا يستحيل في حق الصحابي إلا الوجه الأخير وهو أن يكون قد علم انتساخ حكم روايته فأفتى بخلافها أو عمل بخلافها؛ وإنما قلنا: إن هذه الأشياء تستحيل في حق الصحابي إلا الوجه الأخير؛ لأن في الوجه الأول يكون الراوي كذابًا، وفي الوجه الثاني يكون فاسقًا، وفي الوجه الثالث يكون مغفلاً، وكل هذه تسقط الرواية، والصحابة -رضي الله عنهم- منزهون عن هذه الأشياء؛ فتعين الوجه الأخير، فافهم.
ثم إنه أخرج حديث أسماء بنت عميس من خمس طرق:
الأول: عن إبراهيم بن مرزوق، عن حَبَّان -بفتح الحاء، وتشديد الباء الموحدة- ابن هلال الباهلي البصري، عن محمد بن طلحة بن مصرِّف اليامي، عن الحكم بن عتيبة -بضم العين المهملة وفتح التاء المثناة من فوق وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة- عن عبد الله بن شداد بن الهاد الليثي المدني، عن خالته أسماء بنت عميس الخثعمية أخت ميمونة بنت الحارث -زوج النبي -عليه السلام- لأمها.