ص: قيل لهم: أما هذا الحرف فقد يجوز أن يكون من كلام عائشة، وقد يجوز أن يكون من كلام عروة.
ش: أي قيل لأهل هذه المقالة -وهي المقالة الثانية-: هذا جواب عن قولهم: هذه عائشة تخبر أن زوج بريرة كان عبدًا، وأراد بـ"هذا الحرف" هو قولهم: "وكان زوجها عبدًا"، فهذا يحتمل أن يكون من كلام عائشة، ويحتمل أن يكون من كلام عروة بن الزبير، فالاحتمال لا يُثْبِت الاحتجاج القطعي.
ولئن سلمنا أنه كان من كلام عائشة ولكن قد تعارضت روايتاها فسقط الاحتجاج بها.
وأيضًا فالذي رواه أهل المقالة الثانية يُبْقي الرق، والمثبت أولى؛ لأن البقاء قد يكون باستصحاب الحال، والثبوت يكون بناء على الدليل لا محالة، فمن قال:"كان عبدًا" احتُمل أنه اعتمد استصحاب الحال، ومن قال:"كان حرًّا" بني الأمر على الدليل لا محالة، فصار كالمزكيين جَرح أحدهما شاهدًا والآخر زكاه، أنه يؤخذ بقول الجارح (١) لما قلنا. كذا هذا.
ص: واحتج أهل هذه المقالة في تثبيت ما رووه في زوج بريرة أنه كان عبدًا: بما حدثنا علي بن عبد الرحمن، قال: ثنا عثمان، قال: ثنا همام، قال: ثنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس:"أن زوج بريرة كان عبدًا أسود يسمى مغيثًا، فخيَّرها النبي -عليه السلام-، وأمرها أن تعتد".
حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا هشيم، قال: أنا خالد عن ابن عباس قال: "لما خُيِّرت بريرة، رأيت زوجها يتبعها في سكك المدينة ودموعه تسيل على لحيته، فكلم له العباس النبي -عليه السلام- أن يطلب إليها، فقال لها رسول الله -عليه السلام-: زوجك وأبو ولدك، فقالت: أتأمرني به يا رسول الله؟
(١) وفي هذا نظر؛ فليس الأمر على عمومه، كما هو معلوم في علم الجرح والتعديل.