للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "زوجك" مبتدأ محذوف أي: بريرة، زوجك وأبو ولدك.

ص: فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى: أن أولى الأشياء بنا إذا جاءت الآثار هكذا فوجدنا السبيل إلى أن نحملها على غير التضاد أن نحملها على ذلك ولا نحملها على التضاد والتكاذب، ويكون حال رواتها عندنا على الصدق والعدالة فيما رووا حتى لا نجد بدًا من أن نحملها على خلاف ذلك.

فلما ثبت أن ما ذكرنا كذلك، وكان زوج بريرة قد قيل فيه: إنه كان عبدًا في حال، حرًّا في حالٍ أخرى، فثبت بذلك تأخر إحدى الحالتين عن الأخرى، فكان الرق قد تكون بعده الحرية، والحرية لا يكون بعدها رقٌّ، فلما كان ذلك كذلك جعلنا حال العبودية متقدمًا، وحال الحرية متأخرًا فثبت بذلك أنه كان حرًّا في وقت ما خُيرت بريرة، عبدًا قبل ذلك.

هكذا تصحيح الآثار في هذا الباب، ولو اتفقت الروايات كلها على أنه كان عبدًا لما كان في ذلك ما ينفي أن يكون إذا كان حرًّا زال حكمه عن ذلك؛ لأنه لم يجئ عن رسول الله -عليه السلام- أنه قال: إنما خيرتها لأن زوجها عبدٌ، ولو كان ذلك كذلك لانتفى أن يكون لها خيار إذا كان زوجها حرًّا، فلما لم يجئ من ذلك شيء، وجاء عنه أنه خَيَّرها وكان زوجها عبدًا نظرنا هل يفترق في ذلك حكم الحر وحكم العبد؟

فنظرنا في ذلك فرأينا الأَمَة في حال رقها، لمولاها أن يعقد النكاح عليها للحر والعبد، ورأيناها بعدما تعتق ليس له أن يستأنف عليها عقد نكاح لحر ولا لعبد، فاستوى حكم ما إلى المولى في العبيد والأحرار، وما ليس إليه في العبيد والأحرار، فلما كان ذلك كذلك، ورأيناها إذا أعتقت بعد عقد مولاها نكاح العبد عليها يكون لها الخيار في حلّ النكاح عنها، كان كذلك في الحرة إذا أعتقت يكون لها حلّ نكاحه عنها قياسًا ونظرًا على ما بينا من ذلك.

وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

<<  <  ج: ص:  >  >>