ش: أي فكان من الحجة والبرهان على أهل المقالة الثانية، وأراد بها الجواب على احتجاجهم في تحقيق ما رووه في زوج بريرة أنه كان عبدًا بحديث ابن عباس.
تقرير ذلك أن يقال: احتجاجكم بهذه الطريقة فاسد؛ لأنكم تحققون الخبر الذي فيه أن زوج بريرة كان عبدًا، وتهملون الخبر الذي فيه أنه كان حرًّا، مع أن كِلاَ الخبرين صحيح، فهذا ليس من شرط الاحتجاج، بل الوجه في مثل هذا الموضع أن تحمل هذه الآثار التي تجيء متعارضة على وجه لا يكون فيه التضاد ولا التخالف، وهذا هو الواجب؛ لما في ذلك من حمل الآثار على التعادل والتوافق، وحمل حال رواتها على الصدق والعدالة فيما رووا من ذلك.
فإذا ثبت هذا فنقول: قد اختلف في زوج بريرة فقيل: كان عبدًا، وقيل: كان حرًّا، وهاتان صفتان لا تجتمعان في حالة واحدة، فنجعلهما في حالتين، بمعنى أنه كان عبدًا في حالة، حرًّا في حالة أخري، فبالضرورة تكون إحدى الحالتين متأخرة عن الأخرى، وقد عُلم أن الرق تعقبه الحرية، والحرية لا يعقبها الرق، وهذا مما لا نزاع فيه، فإذا كان كذلك جعلنا حال العبودية متقدمة، وحال الحرية متأخرة؛ لما ذكرنا.
فثبت بهذه الطريقة أنه كان حرًّا في الوقت الذي خيرت فيه بريرة، وعبدًا قبل ذلك، فيكون قول من قال:"كان عبدًا"، محمولًا على الحالة المتقدمة، وقول من قال:"كان حرًّا"، محمولًا على الحالة المتأخرة، فإذًا لا يبقى تعارض ويثبت قول من قال:"إنه كان حرًّا" ويتعلق الحكم به.
قوله:"ولو اتفقت الروايات كلها ... " إلى آخره. جواب آخر بطريق التسليم، يعني لو سلمنا أن جميع الروايات أخبرت بأن زوج بريرة كان عبدًا فليس فيه ما يدل على صحة ما يذهبون إليه من أن زوج الأمة إذا كان حرًّا، فأعتقت الأمة، ليس لها الخيار؛ لأنه ليس فيه ما يدل على ذلك؛ لأنه لم يأت عنه -عليه السلام- أنه قال: إنما خيرتها