أبو بكر الرازي هذا القول حيث قال في كتابه "الأحكام": هذه الأخبار كلها جائز أن تكون صحيحة -وأراد بها الأحاديث التي وردت في ليلة القدر- فتكون في سنة في بعض الليالي، وفي سنة أخرى في غيرها، وفي سنة في العشر الأواخر من رمضان، وفي سنة أخرى في العشر الأوسط، وفي سنة في العشر الأول، وفي سنة في غير رمضان، ولم يقل عبد الله بن مسعود "من يقم الحول يصبها" إلا من طريق التوقيف، ولا يعلم ذلك إلا بوحي من الله إلى نبيه -عليه السلام- فثبت بذلك أن ليلة القدر غير مخصوصة بشهر في السنة، وأنها قد تكون في سائر السنة، ولذلك قال أصحابنا فيمن قال لامرأته:"أنت طالق في ليلة القدر" أنها لا تطلق حتى يمضي حول؛ لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك، ولم يثبت أنها مخصوصة بوقت، فلا يجعل اليقين بوقوع الطلاق إلا بمضي حول.
قلت: قد أفسد الطحاوي هذا القول الذي ذهب إليه الرازي فيما مضى، فالذي ذكره الرازي ليس مذهب أبي حنيفة، والمذهب هو الذي بينه الطحاوي.
وقال شمس الأئمة في "المبسوط"(١): ذكر الفقيه أبو جعفر أن المذهب عند أبي حنيفة أن ليلة القدر تكون في شهر رمضان، ولكنها تتقدم وتتأخر، وعل قول أبي يوسف ومحمد تكون في شهر رمضان لا تتقدم ولا تتأخر، وفائدة هذا الخلاف أن من قال لعبده: أنت حر ليلة القدر؛ فإن قال ذلك قبل دخول شهر رمضان عُتِقَ إذا انسلخ الشهر، وإن قال ذلك بعد مضي ليلة من الشهر لم يعتق حتى ينسلخ شهر رمضان من العام القابل، في قول أبي حنيفة؛ لجواز أنها كانت في الشهر الماضي في الليلة الأولى من الشهر، وعلى قول أبي يوسف ومحمد إذا مضى من الشهر في العام القابل فجاء الوقت الذي حلف؛ عُتِقَ لأنها عندهما لا تتقدم ولا تتأخر، بل هي ليلة من الشهر في كل وقت؛ فإذا جاء الوقت فقد تَيَقَّنَّا بمجيء الوقت المضاف إليه العتق بعد يمينه، فهذا عتق والله أعلم. انتهى.