ولا أعلم ذلك إلا بعد مضي شهر رمضان الذي هو فيه، وشهر رمضان الجائي.
فهذا مذهب أبي حنيفة في هذا الباب، وكان أبو يوسف قال مرةً هذا القول أيضًا، وقال مرةً أخرى: إذا قال لها ذلك القول في بعض شهر رمضان، لم يحكم بوقوع الطلاق حتى يمضي مثل ذلك الوقت من شهر رمضان من السنة الجائية.
قال: لأن ذلك إذا كان فقد كمل حولٌ منذ قال ذلك القول، فهي في كل حول فعلمنا بذلك وقوع الطلاق.
قال أبو جعفر: وهذا القول عندي ليس بشيء؛ لأنه لم ينقل لنا أن كل حول يكون فيه ليلة القدر، على أن ذلك الحول ليس فيه شهر رمضان بكماله من سنة واحدة، وإنما كان نقل لنا أنها في شهر رمضان من كل سنة، هكذا ولنا عليه كتاب الله، وقاله لنا رسول الله -عليه السلام-، على ما قد ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب.
فلما كان ذلك كذلك احتمل أن يكون إذا قال لها في بعض شهر رمضان: أنت طالق ليلة القدر أن تكون ليلة القدر فيما مضى من ذلك الشهر، فيكون إذا مضى حول من حينئذٍ إلي مثله من شهر رمضان من السنة الجائية لا ليلة فيه، ففسد بما ذكرنا قول أبي يوسف الذي وصفنا وثبت على هذا الترتيب ما ذهب إليه أبو حنيفة.
وقد كان أبو يوسف قال مرة أخرى: إذا قال لها ذلك القول في بعض شهر رمضان؛ أن الطلاق لا يقع حتى تمضي ليلة سبع وعشرين، وذهب في ذلك فيما نرى والله أعلم إلى ما روي عن النبي -عليه السلام- فيه أنها في ليلة القدر من شهر رمضان بعينها هو حديث بلال وحديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-، فإذا مضت ليلة سبع وعشرين علم أن ليلة القدر قد كانت، فحكم بوقوع الطلاق، وقبل ذلك فليس يعلم كونها؛ فلذلك لم يحكم بوقوع الطلاق.
فهذا القول تشهد له الآثار التي رويناها في هذا الباب عن النبي -عليه السلام-.
ش: هذا كله واضح لظهوره.
قوله:"وقال مرة أخرى ... " إلى آخره، أراد أن أبا يوسف ذهب في هذا القول إلى أن ليلة القدر تكون في جميع السنة، كما قد ذهب إليه طائفة، واختار الإِمام