من جهة صاحب الشرع يكون عذرًا في حقه فيما يقع فيه غالبًا لا في حق العباد، وهو إما أن يقع فيه المرء بتقصيره كالأكل في الصلاة والجماع في الإحرام والاعتكاف، فإن حالها يذكره.
وإما لا يقع بتقصيره إما بأن يدعو إليه الطبع كالأكل في الصوم فإن الغالب فيه ميل الطبع لأنه وقت أكل وشرب في عامة الأوقات، فيغلبه النسيان، أو بمجرد أنه مركوز في الإنسان كما في الذبيحة فإن الذبح حالة خوف وإزهاق روح فتكثر الغفلة والنسيان عن التسمية في تلك الحالة، والأول ليس بعذر بخلاف الأخيرين.
الثالث: فيه أن الله تجاوز عما استكرهوا عليه، والإكراه لا ينافي الوجوب، ولا أهلية الأداء؛ لأن الأهلية ثابتة بالذمة والبلوغ والعقل وهي قائمة سواء كان إكراهًا كاملًا أو إكراهًا قاصرًا، ولكن المكره متردد في الإتيان بالإكراه عليه بين فرض عليه: كما لو أكره على شرب الخمر بالقتل فإنه يفرض عليه الإقدام، وحرام عليه: كما لو أكره على قتل مسلم ظلمًا فإنه يحرم عليه الإقدام، وإباحة: كما لو أكره على الإفطار في رمضان فإنه يباح له ذلك، ورخصه: كما لو أكره على إجراء كلمة الكفر، فإنه يرخص له ذلك، وتارة يأثم المكره في الإكراه بالإقدام على الفعل كما في قتل النفس ظلمًا، وتارة يؤجر كما في شرب الخمر، وتحقيق هذه الأشياء -من الفرضية والحرمة والإباحة والإثم والأجر- دليل ثبوت الخطاب في حقه، فإذا كان كذلك فلا يصلح الإكراه لإبطال شيء من الأقوال كالطلاق والعتاق والبيع، والأفعال كالقتل والزنا وإتلاف مال الغير.
ص: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا أكره على طلاق أو نكاح أو يمين أو عتاق أو ما أشبه ذلك حتى فعله كرهًا، أن ذلك كله باطل؛ لأنه قد دخل فيما تجاوز الله فيه للنبي -عليه السلام- عن أمته، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عمر بن عبد العزيز في رواية وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري والضحاك وشريحًا القاضي وعكرمة وعبد الله بن عبيد بن عمير وطاوسًا وأبا الشعثاء جابر بن زيد والحسن بن حي والأوزاعي والشافعي