للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قالوا جوابًا آخر: وهو أن عمومات النصوص وإطلاقها يقتضي شرعية هذه التصرفات من غير تخصيص، وتقييد الفائت بالإكراه ليس إلا الرضا طبعًا، وأنه ليس بشرط لوقوع الطلاق، فإن طلاق الهازل واقع وليس براضٍ به طبعًا، وكذلك الرجل قد يطلق امرأته الفائقة حسنًا وجمالًا الرائقة (تغنجًا) (١) ودلالًا لخلل في دينها وإن كان لا يرضى به طبعًا، ويقع الطلاق عليها، والحديث نحن نقول بموجبه: أن كل مستكره عليه معفوٌّ عن هذه الأمة، لكن لا نُسلِّم أن الطلاق وكل تصرف قَوْليّ مستكره عليه؛ وهذا لأن الإكراه لا يعمل على الأقوال كما يعمل على الاعتقادات؛ لأن أحدًا لا يقدر على استعمال لسان غيره بالكلام على تغيير ما يعتقده بقلبه جَبْرًا، فكان كل مسلم مختارًا فيما يتكلم به، فلا يكون مستكرهًا عليه حقيقةً فلا يتناوله الحديث.

قلت: تحقيق هذا الكلام أن الإكراه لا يزيل الخطاب، ولهذا دخل المكره تحت الخطاب بقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (٢) هذا في غير ما أكره عليه ظاهر، وكذا فيما أكره عليه، ألا يرى أنه يباح له الفعل مرة ويفترض أخرى كشرب الخمر، وتارة يحرم كالقتل والزنا، فدل على تحقق الخطاب فلما تحقق الخطاب صح تصرفه.

غاية ما في الباب أنه ينعدم الرضا بالإكراه والطلاق ولا يتوقف على الرضا؛ ولهذا يقع طلاق الهازل مع أنه غير راضٍ لوقوع الطلاق.

قوله: "وحدثناه الكيساني" أراد به سليمان بن شعيب بن سليمان بن سليم بن كيسان الكلبي الكيساني، فإنه يروي عن أبيه شعيب بن سليمان، وهو روى عن أبي يوسف -رحمه الله-، وعن محمد بن الحسن.

وسليمان بن شعيب وثقه ابن السمعاني.


(١) قال ابن الأثير في "النهاية" (٣/ ٣٨٩): الغنج في الجارية تكسُّر وتدلل، وقد غَنِجَتْ وتَغَنَّجَت.
(٢) سورة النحل، آية: [١٠٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>