للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "فنظرنا في ذلك ... " إلى آخره، يُبيِّنُ به فساد استدلال أهل المقالة الأولى بالحديث المذكور، ولكن هذا غير تام في الجواب عن الحديث لأن الذي ذكره هو وجه النظر والقياس على ما لا يخفى.

فنقول: الجواب على الحديث لا يخلو إما أن يكون المراد رفع الخطأ والنسيان والإكراه، حقيقة ذلك أو حكم ذلك، فلا يجوز الأول؛ لأنه قد يوجد حقيقة ذلك وهذا ظاهر متعين.

الثاني: ثم هو على نوعين؛ إما أن يُراد به حكم الدنيا أو حكم الآخرة، فلا يجوز الأول؛ لأن في القتل الخطأ تجب الدية والكفارة بالنص، وذاك من أحكام الدنيا فَتَعَيَّن الثاني وهو حكم الآخرة، وكذا جِماعُ المُكرَه يوجب الغسل ويفسد عليه حِجَّه وصومه، وذاك من أحكام الدنيا، فتعين الثاني وهو حكم الآخرة وهو رفع إثم هذه الأشياء، وبه نقول.

على أنا نقول: إن الترمذي (١) روى مسندًا إلى أبي هريرة، عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله".

وهذا بعمومه يدل على وقوع طلاق المكره.

ص: واحتج أهل المقالة الأولى أيضًا لقولهم بما رُوي عن رسول الله -عليه السلام-:

حدثنا يونس، أنا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي: "أنه سمع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على المنبر يقول: قال رسول الله -عليه السلام-: الأعمال بالنيَّة، وأنما لامرئ ما نوى؛ فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله؛ فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومَنْ كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه".

حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا سليمان بن حرب، قال: ثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد ... فذكر بإسناده مثله.


(١) "جامع الترمذي" (٣/ ٤٩٦ رقم ١١٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>