قالوا: فلما قال: "الأعمال بالنية" ثبت أن عملًا لا ينفذ من طلاقٍ ولا عتاقٍ ولا غيره إلا أن تكون معه نية.
ش: أي: احتج أهل المقالة الأولى أيضًا فيما ذهبوا إليه بحديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ فإنه قال في حديثه عن النبي -عليه السلام-: "الأعمال بالنية".
وطلاق المُكرَه حاكي لما أُمِرَ أن يقوله فقط، ولا طلاق على من حكى كلامًا ما، لم يعتقده.
ثم إنه أخرج الحديث المذكور من طريقين صحيحين:
الأول: رجاله كلهم رجال الصحيح.
والثاني: كذلك ما خلا ابن مرزوق.
وأخرجه الجماعة (١).
فأول ما افتتح به البخاريُّ كتابه هذا الحديث.
وهو حديث مشهور، وفيه أبحاث كثيرة بين أهل العلم.
ص: فكان من الحجة للآخرين في ذلك: أن هذا الكلام لم يُقصدْ به إلى المعنى الذي ذكره هذا المخالف؛ وإنما قُصِدَ به إلى الأعمال التي يجبُ بها الثواب، ألا تراه يقول:"الأعمال بالنية، وإنما لامرئٍ ما نوى" يريد: من الثواب؟ ثم قال:"فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله؛ فهجرته إلى الله وإلى رسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها. فهجرته إلى ما هاجر إليه".
فذلك لا يكون إلا جوابًا لسؤالٍ، كأن النبي -عليه السلام- سئل عمَّا للمهاجر من عمله أي: من هجرته؟ فقال:"إنما الأعمال بالنية".
(١) البخاري (١/ ٣٠ رقم ٥٤)، ومسلم (٣/ ١٥١٥ رقم ١٩٠٧)، وأبو داود (١/ ٦٧٠ رقم ٢٢٠١)، والترمذي (٤/ ١٧٩ رقم ١٦٤٧)، والنسائي (٧/ ١٣ رقم ٣٧٩٤)، وابن ماجه (٢/ ١٤١٣ رقم ٤٢٢٧).