حتى أتى على الكلام الذي في الحديث، وليس ذلك من أمر الإكراه على الطلاق والعتاق والرجعة والأَيْمان في شيء.
فانتفى هذا الحديث أن يكون فيه حجة لأهل المقالة التي بدأنا بذكرها على أهل المقالة التي ثنَّينا بذكرها.
ش: أي: فكان من الدليل والبرهان لأهل المقالة الثانية، وأراد به الجواب عن احتجاج أهل المقالة الأولى فيما ذهبوا إليه بحديث عمر بن الخطاب المذكور.
تقريره: أن يقال: لا نُسلِّم صحة الاحتجاج بهذا الحديث على عدم وقوع طلاق المكره وعتاقه، وعدم وجوب أَيْمانه، فإن الحديث ليس معناه على ما ذكره هؤلاء؛ وإنما معناه: الأعمال التي يجب بها الثواب بالنيات؛ لأن الحديث خرج مخرج الجواب، وذلك أنهم سألوا النبي -عليه السلام- عمَّا للمهاجر في عمله؟ أي: هجرته؟ فأجاب لهم بقوله:"الأعمال بالنية" أي: ثواب الأعمال يحصل بالنيَّة، حتى أن من كانت نيته في هجرته أن تكون لوجه الله تعالى، وابتغاء مرضاة رسوله؛ فهجرته إلى الله ورسوله يعني: فهجرته واقعة إلى الله فيجازيه على ذلك بأحسن الجزاء.
ومن كانت هجرته لأجل تحصيل دنيا، أو لأجل امرأةٍ يتزوجها، فهجرته واقعة إلي تلك الجهة وليس له ثواب، لأن الأعمال على مقدار النية وأصلُ ذلك: أنه جاء في رجلٍ كان يخطب امرأة بمكة تسمى أم قيس، فهاجرت إلى المدينة، فتبعها الرجل رغبةً في نكاحها، فقيل له: مهاجر أُم قيس. أي: الذي هاجر لأجل أم قيس لا لله ولا لرسوله، فالنبي -عليه السلام- عرَّض بهذا القول توبيخًا له على صنيعه، وتنبيهًا لغيره على الإعراض عن مثل ذلك، وليس في ذلك شيء من أمر الإكراه على الطلاق وغيره، فكيف يصح به الاستدلال على أن بالإكراه لا يقع الطلاق ونحوه؟!
قوله:"التى بدأنا بذكرها" وهم أهل المقالة الأولى.
قوله:"التي ثنَّيْنا" من التثنية، وأراد بهم أهل المقالة الثانية.