للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص: وكان مما احتج به أهل المقالة الثانية لقولهم الذي ذكرنا:

ما حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة، عن الوليد بن جُمَيْع، قال: ثنا أبو الطفيل، قال: ثنا حذيفة بن اليمان قال: "ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي، فَأَخَذَنَا كفار قريش، فقالوا: إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا: ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لنَنْصَرِفَنَّ إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله -عليه السلام-، فأخبرناه، فقال: انصرفا، نَفِي لهم بعهودهم، ونستعين الله عليهم".

حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا عبد الرحمن بن صالح، قال: حدثني يونس بن بكير، عن الوليد، عن أبي الطفيل، عن حذيفة قال: "خرجت أنا وأبي حُسَيْلٌ، ونحن نريد رسول الله -عليه السلام- ... " ثم ذكر نحوه.

قالوا: فلما منعهما رسولُ الله -عليه السلام- من حضور بدرٍ لاستحلاف المشركين القاهرين لهما على ما استحلفوهما عليه، ثبت بذلك أن الحلف على الطواعية والإكراه سواء، وكذلك الطلاق والعتاق، فهذا أولى ما فُعِلَ في الآثار إذا وُقِف على معاني بعضها، أن يُحمل ما بقي منها على ما لا يخالف ذلك المعنى متى قُدِرَ على ذلك، حتى لا تتضادّ.

فثبت بما ذكرنا أن حديث ابن عباس في الشرك وحديث حذيفة في الطلاق والأَيْمان وما أشبه ذلك.

ش: وجه الاستدلال بهذا الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منع حذيفة وأباه حُسَيْلًا من حضور بدرٍ؛ لأجل ما استحلفهما المشركون المتغلبون عليهما، على أن ينصرفا إلى المدينة ولا يُقَاتلاهُم مع النبي -عليه السلام-.

فدل ذلك أن الحلف على الاختيار والإكراه سواء؛ إذْ لو لم يصح وجوب اليمين بالإكراه لما منعهما النبي -عليه السلام- من حضور بدر، ولقال لهما: يمينكما كرهًا لا يضركما.

بل قال: "نَفِي لهم بعهودهم".

فدل على أن اليمين يجب بالإكراه كما يجب بالاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>