فإذا كان الحلف على الاختيار والإكراه سواء دخل فيه الطلاق والعتاق. وقد شنَّع ابن حزم في هذا الموضع على أصحابنا؛ فقال: ومِنْ أعظم تناقضهم: أنهم يجيزون طلاق المكره ونكاحه وإنكاحه ورجعته وعتقه ولا يجيزون بيعه ولا ابتياعه ولا هبته ولا إقراره، وهذا تلاعب بالدين.
قلت: حطه على العلماء النقاد بغير وجه هو التلاعب بالدين، ولا تناقض ها هنا؛ لأن التصرفات الشرعية في الأصل نوعان: إنشاء، وإقرار:
والإنشاء نوعان: نوع لا يحتمل الفسخ، ونوع يحتمله.
أما الذي لا يحتمل الفسخ: فالطلاق، والعتاق، والنكاح، والرجعة، واليمين، والنذر، والظهار، والإيلاء، والفيء من الإيلاء، والتدبير، والعفو عن القصاص، وهذه التصرفات جائزة مع الإكراه لما ذكرنا: أن عمومات النصوص وإطلاقها تقتضي شرعية هذه التصرفات من غير تخصيص ولا تقييد.
وأما النوع الذي يحتمل الفسخ: فالبيع، والشراء، والهبة، والإجارة، ونحوها.
فالإكراه يوجب فسادَ التصرفات؛ لعدم الرضا، وصحة هذه مبنية على الرضى، ولم يوجد، بخلاف القسم الأول؛ فإنه لا يتوقف على الاختيار.
ألا ترى كيف ينفذ مع الهزل، وأما الإقرار فإن الإكراه يمنع صحته، سواء كان المُقِرُّ به محتملًا للفسخ أو لم يكن؛ لأن الإقرار إخبار، وصحة الإخبار عن الماضي بوجود المخبر به سابق على الإخبار، والمخبر به ها هنا يحتمل الوجود والعدم، وإنما تترجح جَنَبَة الوجود على جَنَبَةِ العدم بالصدق، وحال الإكراه لا يدل على الصدق؛ لأن الإنسان لا يتحرج عن الكذب حالة الإكراه، فلا يثبت الرجحان.
ثم إنه أخرج حديث حذيفة من طريقين صحيحين.
الأول: عن فهد بن سليمان.
عن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، شيخ مسلم وابن ماجه.