للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي بأمة زمعة، فلما استلحقه سعد خاصمه عبد بن زمعة، فقال سعد: هو ابن أخي، يشير إلى ما كانوا عليه في الجاهلية، وقال عبد بن زمعة: بل هو أخي، ولد على فراش أبي، يشير إلى ما استقر عليه الحكم في الإِسلام، فقضى رسول الله -عليه السلام- لعبد بن زمعة؛ إبطالا الحكم الجاهلية.

قوله: "هو لك يا عبد بن زمعة" قال الطحاوي: معناه هو لك بيدك عليه لا أنك تملكه، ولكن يمنع بيدك عليه كل من سواك منه كما قال في اللقطة: هي لك بيدك عليها، يدفع غيرك عنها حتى يجيء صاحبها ليس على أنه ملك له، ولا يجوز أن يجعله رسول الله -عليه السلام- ابنا لزمعة ثم يأمر أخته تحتجب عنه هذا محال لا يجوز أن يضاف إلى النبي -عليه السلام-.

وقال الطبري: هو لك يا عبد بن زمعة معناه: هو لك عبد؛ لأنه ابن وليدة أبيك، وكل أمة تلد من غير سيدها فولدها عبد، يريد أنه لما لم ينقل في الحديث اعتراف سيدها بوطئها ولا شهد بذلك عليه، كانت الأصول تدفع قول ابنه عليه، لم يبق إلا القضاء بأنه عبد تبع لأمه، وأمر سودة بالاحتجاب منه؛ لأنها لم تملك منه إلا شقصًا، وقال أبو عمر: هذا تحكم من الطبري، وهو خلاف ظاهر الحديث.

قوله: "احتجبي عنه يا سودة" أشكل معناه قديما على العلماء، فذهب أكثر القائلين بأن الحرام لا يحرم الحلال وأن الزنا لا تأثير له في التحريم، وهو قول عبد الملك بن الماجشون، أي أن قوله كان ذلك منه على وجه الاحتياط والتنزه، وأن للرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها، هذا قول الشافعي، وقالت طائفة: كان ذلك منه لقطع الذريعة بعد حكمه بالظاهر، فكأنه حكم بحكمين: حكم ظاهر وهو الولد للفراش، وحكم باطن وهو الاحتجاب من أجل الشبه، وكأنه قال: ليس بأخٍ لك يا سودة إلا في حكم الله، فأمرها بالاحتجاب منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>