للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- فأخرجه الطحاوي في باب الصرف.

وأخرجه الحاكم في "مستدركه" (١): أنا أبي السماك، نا عبد الملك بن محمد، نا بشر بن عمر، نا مالك، عن حميد بن قيس المكي، عن مجاهد، قال: "كنت مع ابن عمر فجاء صائغ، فقال: إني أصوغ الذهب، ثم أبيع شيئًا من ذلك بأكثر من وزنه، فأستفضل في ذلك قدر عملي، فنهاه ابن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يرد عليه المسألة، وابن عمر ينهاه، حتى انتهى إلى باب المسجد إلى دابة يركبها، فقال ابن عمر: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا -عليه السلام- إلينا وعهدنا إليكم".

ورواه الشافعي (٢) عن مالك رواه عنه الربيع مختصرًا، ورواه عنه المزني بتمامه ثم قال هذا خطأ؛ أنا سفيان، عن وردان الرومي، أنه سأل ابن عمر فقال: "إني رجل أصوغ الحلي، ثم أبيعه وأستفضل فيه قدر أجرتي -أو عمل يدي- فقال ابن عمر: الذهب بالذهب لا فضل بينهما، هذا عهد صاحبنا إلينا وعهدنا إليكم" ثم قال الشافعي: يعني "بصاحبنا": عمر -رضي الله عنه-، قال البيهقي (٣): لم يسمع ابن عمر من النبي -عليه السلام- في ذاك شيئًا وإنما سمعه من أبيه ثم عن أبي سعيد.

قلت: حكى صاحب "التمهيد" هذا القول عن الشافعي ثم قال: قول الشافعي عندي غلط على أصله؛ لأن قوله: "صاحبنا" مجمل يحتمل أن يريد رسول الله -عليه السلام- وهو الأظهر، ويحتمل أن يريد عمر -رضي الله عنه-، فلما قال مجاهد عن ابن عمر: "هذا عهد نبينا" فسر ما أجمل وردان، وهذا أصل ما يعتمد عليه الشافعي في الآثار" ولكن الناس لا يسلم منهم أحد من الغلط وإنما دخلت الداخلة على الناس من قبل التقليد؛ لأنهم إذا تكلم العالم عند من لا يُمْعن النظر بشيء كتبه، وجعله دِينًا يرد به ما خالفه دون أن يعرف الوجه فيه فيقع الخلل.


(١) لم أجده في "المستدرك"، وهو في "سنن البيهقي الكبرى" (٥/ ٢٧٩ رقم ١٠٢٧١).
(٢) "السنن المأثورة" (١/ ٢٦٥ رقم ٢٢٠)، (١/ ٢٦٦ رقم ٢٢٢).
(٣) "سنن البيهقي الكبرى" (٥/ ٢٧٩ رقم ١٠٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>