للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفة: بيع الحاضر للباد لا بأس به، وقال أبو عمر: (١): قال ابن وهب عن مالك: لا أرى أن يبيع الحاضر للبادي، ولا لأهل القرى وروى أصبغ عن ابن القاسم فيمن فعل ذلك أنه يفسخ بيعه وكذلك روى عيسى عن ابن القاسم، قال: وإن تاب فلا شيء عليه، وروى عيسى وسحنون عن ابن القاسم أنه قال: يؤدب الحاضر إذا باع للبادي، قال في رواية عيسى: إن كان معتادًا لذلك، وقال ابن وهب: لا يؤدب عالمًا كان بالنهي عن ذلك أو جاهلًا.

وقال أبو عمر: لم يختلف قول مالك في كراهية بيع الحاضر للبادي، واختلف قوله في شراء الحاضر للبادي، فمرة قال: لا بأس أن يشتري له، ومرة قال: لا يشتري له، ولا يشير عليه، وبه قال ابن حبيب.

وقال ابن الأثير: والمنهي عن ذلك أن يأتي البدوي البلد ومعه قوت يبغي التسارع إلى بيعه رخيصًا فيقول له الحضري: أتركه عندي لأغالي في بيعه، فهذا الصنيع محرم لما فيه من الإضرار بالغير والبيع إذا جرى مع المغالاة منعقد، وقال أيضًا: هذا إذا كانت السلعة مما تعم الحاجة إليها كالأقوات، فإن كانت لا تعم، أو كثر القوت واستغني عنه ففي التحريم تردد ويعوَّل في أحدهما على عموم ظاهر النهي، وحسم باب الضرر، وفي الثاني على معنى الضرر وزواله، وقد جاء عن ابن عباس (٢) أن سئل عن معنى "لا يبع حاضر لباد" فقال: "لا يكون له سمسارًا".

وقال الكاساني في "البدائع": بيع الحاضر للبادي هو أن يكون لرجل طعام وعلف لا يبيعهما إلا لأهل البادية بثمن غال، ثم روى الحديث المذكور، ثم قال: ولو باع جاز البيع؛ لأن النهي لمعنى في غير البيع، وهو الإضرار بأهل المصر،


(١) "التمهيد" (١٨/ ١٩٦).
(٢) حكم عليه ابن الأثير بالصحة كما في "الشافي شرح مسند الشافعي" وهو بتحقيقنا (٤/ ٦٦)، والحديث متفق عليه، فأخرجه البخاري (٢/ ٧٥٨ رقم ٢٠٥٥)، ومسلم (٣/ ١١٥٧ رقم ١٥٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>