ص: وكان من الحجة لهم في ذلك: أنه قد يجوز أن يكون الوضوء الذي أراده النبي - عليه السلام - هو غسل اليد، وفرق بين لحوم الإبل ولحوم الغنم في ذلك لما في لحوم الإبل من الغلظ ومن غلبة ودكها على يد آكلها، فلم يرخص في تركه على اليد وأباح ألَّا يتوضأ من لحوم الغنم لعدم ذلك منها، وقد روي في الباب الأول في حديث جابر - رضي الله عنه -: "إن آخر الأمرين من رسول الله - عليه السلام - ترك الوضوء مما غيرت النار" فإذا كان ما تقدم منه هو الوضوء مما مست النار ومن ذلك لحوم الإبل وغيرها، كان في تركه ذلك ترك الوضوء من لحوم الإبل وغيرها، فهذا حكم هذا الباب من طريق الآثار.
ش: أي وكان من الحجة والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه من عدم وجوب الوضوء مطلقا من أكل اللحوم، وقد حققنا الكلام فيه عن قريب.
قوله:"وأباح" أي النبي - عليه السلام -.
قوله:"في الباب الأول" أراد به الفصل الأول. وأراد بـ"جابر" جابر بن عبد الله لا جابر بن سمرة.
ص: وأما وجهه من طريق النظر: فإنَّا قدر رأينا الإبل والغنم سواء في حلّ بيعهما وشرب لبنهما وطهارة لحمهما، وأنه لا تفترق أحكامهما في شيء من ذلك؛ فالنظر على ذلك أنهما في كل لحومهما سواء، فكما كان لا وضوء في كل لحوم الغنم فكذلك الوجوب في كل لحوم الإبل، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن -رحمهم الله-.
ش: ملخصه: أن الإبل كالغنم في حِلِّ البيع، وشرب اللبن، وطهارة اللحم، والسؤر، وصفة النجاسة في البول والروث، وجواز التضحية، وحِلِّ ذبحهما للمحرم، ووجوب الزكاة فيهما، فأكل لحم الغنم لا يوجب الوضوء، فالنظر كذلك، أي لا يوجب أكل لحم الإبل قياسا عليه.