يذهب فيما أدركت الصفقة حيا فهلك بعدها أنه من مال المشتري، ويدل أنه كان يرى أن البيع يتم بالأقوال قبل التفرق بالأبدان الذي يكون بعد ذلك، وأن المبيع ينتقل بتلك الأقوال من ملك البائع إلى ملك المشتري، حتى إنه إذا هلك يهلك من مال المشتري، وقد اعترض ابن حزم ها هنا باعتراض ساقط، وقال: هذا من عجائبهم لأنهم أول مخالف لهذا الخبر، فالحنفيون يقولون: بل هو من البائع ما لم يره المبتاع أو يسلم إليه البائع، والمالكيون يقولون: بل إن كان غائبًا غيبة بعيدة فهو من البائع، فمن أعجب ممن يحتج بخبر هو عليه لا له؟! ويجاهر هذه المجاهرة، وما في كلام ابن عمر هذا شيء يخالف ما صح عنه من أن البيع لا يصح إلا بتفرق الأبدان، فقوله: ما أدركت الصفقة إنما أراد البيع التام بلا شك، ومن قوله المشهور عنه أنه لا بيع يتم البتة إلا بتفرق الأبدان، أو بالتخيير بعد العقد. انتهى.
قلت: لا نسلم أنهم أول مخالف لهذا الخبر؛ لأن الحنفية إنما يقولون: يهلك المبيع من مال البائع إذا منعه بعد العقد عن تسلم المشتري، وأما إذا تم العقد وأخل بينه وبن المشتري فهلك المبيع، فإنه يهلك من مال المشتري، وذلك لأن التخلية بمنزلة القبض حقيقة، وقوله:"وما في كلام ابن عمر هذا شيء يخالف ما صح عنه ... " إلى آخره. غير صحيح، لأن قوله هذا يعارض فعله ذاك صريحًا على أن فعله ذاك قد يحتمل الاحتمالات المذكورة.
وقوله:"هذا يدل على أن الفرقة بالأقوال" فهذا يكون دالًا على أن الفرقة التي سمعها من النبي -عليه السلام-، هي الفرقة بالأقوال لا بالأبدان. فافهم.
ثم إنه أخرج الأثر المذكور من طريقين صحيحين:
الأول: عن سليمان بن شعيب الكيساني، عن بشر بن بكر التنيسي شيخ الشافعي، عن عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، عن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن أبيه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-.