فتلقى العلماء هذا الخبر بالقبول، وزعمت أنت أن رجلا لو اشترى شاة فحلبها، ثم أصاب بها عيبًا غير التحصيل أنه يردها، ويكون اللبن له، وكذلك لو كان مكان اللبن ولد ولدته، ردها على البائع وكان الولد له، وكان ذلك عندك من الخراج الذي جعله النبي -عليه السلام- للمشتري بالضمان، فليس يخلو الصاع الذي توجبه على مشتري المصراة إذا ردها على البائع بالتصرية أن يكون عوضا من جميع اللبن الذي احتلبه منها الذي كان بعض في ضرعها في وقت وقوع البيع، وحدث بعضه في ضرعها بعد البيع، أو يكون عوضا من اللبن الذي كان في ضرعها في وقت البيع خاصة، فإن كان عوضا منهما فقد نقضت بذلك أصلك الذي جعلت به الولد واللبن للمشتري بعد الرد بالعيب؛ لأنك جعلت حكمهما حكم الخراج الذي جعله النبي -عليه السلام- للمشتري بالضمان.
وإن كان ذلك الصالح عوضا عما كان في ضرعها في وقت وقوع البيع خاصة، والباقي سالم للمشتري لأنه من الخراج، فقد جعلت للبائع صاعًا دينا بلبن دين، وهذا غير جائز في قولك ولا في قول غيرك، فعلى أي الوجهين كان هذا المعنى عليه عندك؟! فأنت به تارك أصلاً من أصولك، وقد كنت بالقول بنسخ هذا الحكم في المصراة أولى من غيرك؛ لأنك أنت تجعل اللبن في حكم الخراج، وغيرك لا يجعله كذلك.
ش: هذه إشارة إلى بيان فساد قول من يذهب إلى العمل بحديث المصراة الذي هو منسوخ بالوجوه التي ذكرناها، وأن القائلين به تاركون لأصلهم الذي يذهبون إليه، ومتناقضون في كلامهم، والمراد من هؤلاء هم الشافعية ومن تبعهم في هذا القول، والمراد من الخطابات في قوله:"وزعمت أنت" وقوله: "فقد نقضت بذلك أصلك"، وقوله:"الذي جعلت به الولد"، وقوله:"جعلت حكمهما" وقوله: "فقد جعلت" وقوله: "وقولك ولا في قول غيرك" وقوله: "عندك"، وقوله:"فأنت به تارك أصلا من أصولك" وقوله: "وقد كنت"، وقوله:"أولى من غيرك؛ لأنك أنت تجعل اللبن"، وقوله:"وغيرك".