بيان الفساد المذكور أن النبي -عليه السلام- قد روي عنه أنه قال:"الخراج بالضمان"، وفي رواية:"الغلة بالضمان" يريد بالخراج ما يحصل من غلة العين المبتاعة عبدًا كان أو أمة أو مُلكًا، وذلك أن تشتريه فتستغله زمانا ثم تعثر منه على عيب قد ثم لم يطلعه البائع عليه، أو لم يعرفه، فله رد العين المبيعة وأخذ الثمن، ويكون للمشتري ما استغله؛ لأن المبيع لو كان تلف في يده لكان من ضمانه، ولم يكن له على البائع شيء، ومعنى قوله:"الغلة بالضمان" مثل معنى قوله: "الخراج بالضمان"، والغلة الدخل الذي يحصل من الزرع والتمر واللبن والإجارة والنتاج، والباء في قوله "بالضمان" للسببية، ومتعلقها محذوف تقديره: الخراج مستحق بسبب الضمان، والغلة مستحقة بسبب الضمان، ومحل الباء رفع على الخبرية، وقوله "الخراج" مبتدأ وكذا قوله "الغلة".
ثم إن هؤلاء قد زعموا أن رجلاً لو اشترى شاه فحلبها ثم أصاب بها عيبا غير التحفيل والتصرية أنه يردها ويكون اللبن له، وكذلك لو اشترى جارية مثلًا فولدت عنده، ثم ردها على البائع لعيب وجد بها، يكون الولد له.
قالوا: لأن ذلك من الخراج الذي جعله النبي -عليه السلام- للمشتري بالضمان، فإذا كان الأمر كذلك فالصاع من التمر الذي يوجبه هؤلاء على مشتري المصراة إذا ردها على بائعها بسبب التصرية والتحفيل، لا يخلو إما أن يكون عوضًا من جميع اللبن الذي احتلبه منها الذي كان بعضه في ضرعها وقت البيع وحدث بعض في ضرعها بعد البيع.
وإما أن يكون عوضا عن اللبن الذي كان في ضرعها وقت وقوع البيع خاصة.
فإن أرادوا الوجه الأول فقد ناقضوا أصلهم الذي جعلوا به اللبن والولد للمشتري بعد الرد بالعيب في الصورتين اللتين ذكرناهما، وذلك لأنهم جعلوا حكمهما كحكم الخراج الذي جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - للمشتري بالضمان.