فلا يكون ذلك إلا على البيع من ثمرة لم يكن أن تكون، وإنما الذي في هذه الآثار هو النهي عن السلم في الثمار في غير حينها، وهذه الآثار تدل على النهي عن ذلك، فاما بيع الثمار في أشجارها بعدما ظهرت، فإن ذلك عندنا جائز صحيح.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم الأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا ومالكًا في رواية وأحمد في قول، فإنهم قالوا: بيع الثمار على الأشجار بعد ظهورها جائز، وحججهم في ذلك إن شاء الله تعالى:
قوله:"فقالوا هذه الآثار ... " إلى آخره جواب عما احتجت به أهل المقالة الأولى من الآثار المذكورة، بيان ذلك أن الأحاديث المذكورة عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- أحاديث صحيحة لا نزاع في صحتها ولا يتمكن أحد من ردها، ونحن آخذون بها غير تاركين لها، وإنما تأويلها عندنا على غير الوجه الذي ذكره أهل المقالة الأولى، وهو أن المراد به بيع الثمار قبل كونها، وقبل أن تخلق، وذلك لأنه حينئذ يكون بائعًا لما ليس عنده، وقد نهى رسول الله -عليه السلام- عن ذلك وهو نهيه عن بيع سنين، وإنما نهى عن ذلك لأنه من المعلوم أن ثمرة السنة، والثانية والثالثة لم تخلق، فهي لو خلقت ولم يَبْدُ صلاحها لم يجز العقد عليها، فإذا لم تخلق فأولى أن لا يجوز، ووردت آثار أخرى دلت على الثمار المنهي [عن](١) بيعها قبل بُدُوِّ صلاحها ما هي، وأنها هي التي تباع قبل كونها ويسلف عليها، فنهى رسول الله -عليه السلام- عن ذلك حتى تكون وتخلق ويؤمن عليها العاهة، فحينئذ يجوز السلف -وهو السلم- فيها، ومن الدليل على صحة ما أولنا من التأويل المذكور: قوله -عليه السلام- في حديث أنس -رضي الله عنه-، الذي هو من جملة حجج أهل المقالة الأولى:"أرأيت إن منع الله الثمر، بما يستحل أحدكم مال أخيه" فهذا يدل صريحًا على أن البيع كان قبل كون الثمار، وقبل أن تخلق، فإذا كان الأمر كذلك لم