للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمذهب عامة العلماء وفقهاء الفتيا بالأمصار: أنه لا يجوز من ذلك قليل ولا كثير، وذهب مالك في جماعة أهل المدينة إلى جواز ذلك ما بينه وبين ثلث الثمرة، لا يزيد على ذلك، وإن استثني جزءًا مشاعًا فيجوز عند مالك وعامة أصحابه؛ قل أو كثر.

وذهب عبد الملك إلى أنه لا يجوز استثناء الأكثر، والخلاف في ذلك مبني على جواز استثناء الأكثر من الأقل، وقد اختلف في ذلك النحاة والأصوليون وكتاب الله يشهد بجوازه؛ فإن الله تعالى قال عن إبليس: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} (١)، ثم قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} (٢) فقد استثني كل صنف من الآخر [....] (٣) لا سيما ما وردت به الآثار في تكثير الغاوين.

ص: حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا محمد بن إدريس، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بُشير بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -عليه السلام- نهي عن بيع الثمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرية أن تباع بخرصها من التمر، يأكلها أهلها رطبًا".

ش: إسناده صحيح.

وسفيان هو ابن عيينة، ويحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وبُشَير -بضم الباء


(١) سورة ص، آية: [٨٢ - ٨٣] ولعل مراد المؤلف: ذكر آية الحجر رقم (٣٩، ٤٠) وفيها: {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.
(٢) سورة الحجر، آية: [٤٢].
(٣) طمس في "الأصل"، وجاء في "عمدة القاري" (١٤/ ٢١): وإنما الحجة في ذلك قوله تعالى: {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}، وقوله: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فإن جعلت المخلصين الأكثر فقد استثناهم، وإن جعلت الغاوين الأكثر فقد استثناهم أيضًا، ولأن الاستثناء إخراج، فإذا جاز إخراج الأقل؛ جاز إخراج الأكثر.
ومذهب البصريين من أهل اللغة وابن الماجشون المنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>