وقد مَرَّ تفسير المحاقلة والمزابنة، وأما المخابرة فقد فسرها جابر في كتاب مسلم بأنها الأرض يدفعها الرجل إلى الرجل فينفق فيها، ثم يأخذ من الثمر، وقال أهل اللغة: المخابرة هي المزارعة على النصيب كالثلث وغيره، والخُبرة النصيب، وقال الأزهري: الخُبر يكون زرعًا ويكون إكارًا، وقال ابن الأعرابي: أصل المخابر مأخوذ من خيبر؛ لأن النبي -عليه السلام- كان أقرها في أيدي أهلها على النصف، فقيل: خابرهم أي عاملهم في خيبر. وقيل: هي من الخبار وهي الأرض اللينة، قاله ابن الأثير.
قوله:"والمعاومة" وهي بيع السنين، يعني بيع ثمرة حائطه سنين، وقد مَرَّ الكلام فيه أيضًا.
قوله:"ونهى عن الثُنْيا" بضم الثاء المثلثة وسكون النون، وهي أن يستثني في البيع شيء مجهول فيفسده. وقيل: هو أن يباع شيء جزافًا فلا يجوز أن يستثني منه شيء، قَلَّ أو كَثُر، وتكون الثنيا في المزارعة أن يستثني بعد النصف أو الثلث كيل معلوم.
وقد استدل أبو حنيفة والشافعي بظاهر هذا الحديث، وتمسكًا بعموم نهيه عن بيع الثنيا، ولم يُجَوِّزا إذا باع صبرة واستثني منها جزءًا، وإن كان معلومًا، وأجاز مالك أن يستثني منها من الملكية ما يعلم أنه لا يزيد على ثلث جميعه، لأن ذلك عنده في حكم اليسير الذي لا يؤدي إلى الجهالة بالبيع، فوجب أن يجوز.
وقال القاضي: ومن الثنيا اشتراط البائع على المبتاع متي جاءه بالثمن فالسلعة له، وهذا الذي يسميه الموثوقون بيع الثُّنْيا، ومنها قول المشتري: إن لم آتك بالثمر يوم كذا فلا بيع بيني وبينك.
فاختلف العلماء، فبعضهم أبطل الشرط وصحح البيع، ومنهم من ألزم قائله ما شرط وجعل الآخر بالخيار. والوجهان يرويان عن مالك، وما كان من ذلك على التطوع بعد العقد لزم الوفاء به. وأما ثُنْيا المشتري بعض ثمرة نخله التى باع فلا يخلوا أن يكون على الكيل أو الجزء أو ثمرة نخلات معينات، فأما النخلات المعينات فلا خلاف في جواز استثنائها؛ لأنه لم يقع عليها بيع جملة، وإن استثني بعضها على الكيل