ص: وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا أنه قال:"خففوا في الصدقات؛ فإن في المال العرية والوصيه".
حدثنا بذلك أبو بكرة قال: ثنا أبو عمر الضرير، قال: أنا جرير بن حازم، قال: سمعت قيس بن سعد يحدث، عن مكحول الشامي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
فدل ذلك أن العرية إنما هي شيء يُمَلِّكه أرباب الأموال قومًا في حياتهم، كما يملكون الوصايا بعد وفاتهم.
ش: هذه حجة أخري تدل على صحة تأويل أبي حنيفة في العرايا، وهو أن معناها العطايا لا البيع، على ما لا يخفى.
والحديث المذكور مرسل، وإسناده صحيح، وهو حجة عندنا على ما عرف في موضعه.
وأبو بكرة هو بكار القاضي.
وأبو عمر الضرير اسمه: حفص بن عمر المصري، شيخ أبي داود وابن ماجه وقيس بن سعد المكي مولي نافع بن علقمة وثقه أحمد وأبو زرعة.
ص: وحجة أخرى في أن معنى العرية كما قال أبو حنيفة لا كما قال مخالفه:
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا محمد بن عون، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن أيوب وعبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر:"أن رسول الله -عليه السلام- نهى البائع والمبتاع عن المزابنة، قال: وقال زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: رخص في العرايا في النخلة والنخلتين توهبان للرجل فيبيعهما بخرصهما تمرًا".
فهذا زيد بن ثابت وهو أحد من روى عن النبي -عليه السلام- الرخصة في العرية، فقد أخبر أنها الهبة.
ش: دلالة هذا الحديث على ما قال أبو حنيفة ظاهرة لا تخفى إلا على المعاند.