فأما ما قد قبضه المشترون وصار في أيديهم، فذلك كسائر البياعات التبم يقبضها المشتري لها فتحدث بها الآفات في أيديهم، فلما كان غير الثمار يذهب من أموال المشتري لها لا من أموال باعتها؛ فكذلك الثمار.
فهذا هو النظر وهو أولى ما حمل عليه هذا الحديث؛ لأنه قد روي عن رسول الله -عليه السلام- ما قد حدثنا يونس، قال: أنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحارث (ح).
وحدثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن يوسف (ح).
وحدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب (ح).
وحدثنا أبو أمية، قال: ثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، قالوا: ثنا الليث، قالا جميعًا: عن بكير بن الأشج، عن عياض بن عبد الله، عن أي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال:"أصيب رجل في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: تصدقوا عليه، فتصدق عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك".
فلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار، وفيهم باعتها، ولم يرده على الباعة بالثمن، إن كانوا قد قبضوا ذلك منه؛ ثبت أن الجوائح الحادثة في يد المشتري لا تكون مبطلة عنه شيئًا من الثمن الذي عليه للبائع.
ش: أي خالف القوم المذكورين جماعة آخرون، وأراد بهم: وهم جمهور السلف والثوري وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا والشافعي في الجديد وأبا جعفر الطبري وداود وأصحابه، فإنهم قالوا: ما ذهب من ذلك -أي من المبيع- الثمر الذي أصابته جائحة من شيء، سواء كان قليلاً أو كثيرًا بعد قبض المشتري إياه، فهو ذاهب من مال المشتري، والذي ذهب في يد البائع قبل قبض [المشتري](١) فذاك يبطل الثمن عن المشتري.