للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما يكون مقبوضًا بغير قطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال المشتري، وما كان لا يقبض إلا بقطع مستأنف فهو الذي يذهب من مال البائع.

قيل له: هذا الكلام فاسد من وجهين:

أما أحدهما: فإنا رأينا هذه الثمار إذا بيعت في رءوس النخل فذهبت بكمالها أو ذهب منها شيء في أيدي باعتها؛ ذهب ذلك من أموالهم دون أموال المشتري.

فكان ذهاب قليلها وكثيرها في ذلك سواء؛ لأنهم لم يقبضوها، فإذا قبضوها فذهب منها ما دون الثلث؛ فقد أجمع أنه ذاهب من مال المشتري؛ لأنه ذهب بعد قبضه إياه.

فلما استوي ذهاب قليله وكثيره في يد البائع، وكان قليلة إذا ذهب في يد المشتري ذهب من ماله؛ كان كثيره كذلك، وكان المشتري بتخلية البائع بينه وبين ثمر النخل قابضًا له، وإن لم يقطعه. فهذا وجه.

ووجه أخر: أنا رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد نهي عن بيع الطعام حتى يقبض، وأجمع المسلمون على ذلك، وكانت الثمار في ذلك داخلة باتفاقهم، وأجمعوا أن المشتري لها لو باعها في يد بائعها كان بيعه باطلاً، ولو باعها بعد أن خلى البائع بينه وبينها ولم يقطعها كان بيعه جائزًا، فصار قابضًا لها بتخلية البائع بينه وبينها قبل قطعه إياها.

فثبت بذلك أن قبض المشتري للثمار في رءوس النخل هو بتخلية البائع بينه وبينها وإمكانه إياه منها، فإذا فعل ذلك به فقد صارت في يده وفي ضمانه وبريء منها البائع، فما حدث فيها من جائحة أتت عليها كلها أو على بعضها فهي ذاهبة من مال المشتري لا من مال البائع.

وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد -رحمهم الله-.

ش: هذا السؤال مع جوابه ظاهران غنيان عن الشرح.

قوله: "وكانت الثمار في ذلك داخلة باتفاقهم". قيل: لا نسلم أنها داخلة في ذلك؛ لأن المراد من بيع الطعام: هو الحنطة والثمار لا تدخل في ذلك، وأجيب بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>