"ابتعت طعامًا من طعام الصدقة، فربحت فيه قبل أن أقبضه، فأتيت رسول الله -عليه السلام- فذكرت ذلك له، فقال: لا تبعه حتى تقبضه".
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن من اشترى طعامًا لم يجز له بيعه حتى يقبضه، ومن اشترى غير الطعام حل له بيعه وإن لم يقبضه، واحتجوا في ذلك بهذه الآثار، وقالوا: لما قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنهي إلى الطعام، دل ذلك أن حكم غير الطعام في ذلك بخلاف حكم الطعام.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عثمان البتي وسعيد بن المسيب، والحسن والأوزاعي وإسحاق ومالكًا في رواية وأحمد في قول، فإنهم قالوا: من اشترى طعامًا لم يجز له بيعه حتى يقبضه، ومن اشترى غير الطعام حل له بيعه وان لم يقبضه.
وتحقيق الخلاف أن مذهب عثمان البتي: جواز بيع كل شيء قبل قبضه سواء كان طعامًا أو غيره ومذهب غيره، ممن ذكرناهم على التفصيل المذكور، وهو مذهب الحكم بن عتيبة وحماد أيضًا، ويروى مثل هذا عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-.
وقال ابن قدامة في "المغني": ومن اشتري ما يحتاج إلى قبض لم يجز بيعه حتى يقبضه، ولا أرى بين أهل العلم في هذا خلافًا، إلا ما حكي عن عثمان البتي، أنه قال: لا بأس ببيع كل شيء قبل قبضه.
قال ابن عبد البر: هذا قول مردود بالسنة، وأما غير ذلك فيجوز بيعه قبل قبضه -في أظهر الروايتين- ونحوه قول مالك وابن المنذر.
وقال القاضي عياض في "شرح مسلم": اختلف الناس في جواز بيع المشتريات قبل قبضها، فمنعه الشافعي في كل شيء، وانفرد عثمان البتي فأجازه في كل شيء، ومنعه أبو حنيفة -رحمة الله- في كل شيء إلا العقار وما لا ينقل، ومنعه آخرون في سائر المكيلات والموزونات، ومنعه مالك في سائر المكيلات والموزونات إذا كانت طعامًا.
وقال أيضًا: اختلف العلماء فيما بيع من الطعام جزافًا هل هو مثل ما بيع على الكيل أو العد والوزن، يجوز بيعه قبل استيفائه ونقله أم لا؟ فمشهور