للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل مبيع. وقال أبو حنيفة: أما المهر والجعل وما يؤخذ في الخلع من طعام أو غيره فيجوز بيعه قبل قبضه. قال: وما ملك بالشراء -أو بالإجارة- فلا يجوز بيعه قبل القبض إلا العقار وحده، ومنعه الشافعي في كل مبيع؛ عقارًا أو غيره، وهو قول الثوري وابن عيينة ومحمد بن الحسن.

وهو مذهب ابن عباس وجابر بن عبد الله -رضي الله عنهم-.

قوله: "واحتجوا في ذلك" أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من أن النهي المذكور عام يتناول الطعام وغيره، وإن كان المذكور -في الأحاديث التي ذكر فيها النهي المذكور- فيها هو الطعام، بحديث زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، فإنه أخبر عن النبي بأن الزيت قد دخل في الذي نهي -عليه السلام- عن بيعه قبل القبض، والزيت غير الطعام الذي قد علم ابن عمر -رضي الله عنهما- من النبي -عليه السلام- النهي عن بيعه بعد الشراء قبل القبض.

ثم إن ابن عمر -رضي الله عنهما- قد عمل بما قال له زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، والحال أن ما كان سمع منه -عليه السلام- ما قد تقدم ذكره في أول الباب من قصده إلى الطعام لم يكن مانعًا أن يكون غير الطعام في ذلك بخلاف الطعام.

ثم إن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قد أكد عموم النهي وتناوله للطعام وغيره بقوله: "كان رسول الله -عليه السلام- نهانا عن ابتياع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم" فقوله: "السلع" يتناول كل سلعة كانت، وهي أعم من أن تكون طعامًا أو غيره، فدل ذلك على أنه لا يجوز بيع شيء أشتراه الرجل إلا بعد قبضه؛ سواء كان طعامًا أو غيره، ويؤكد ما ذكرنا أيضًا قول ابن عباس: "أما الذي نهى عنه رسول الله -عليه السلام-: فبيع الطعام قبل أن يستوفى"، ثم قال برأيه: "وأحسب كل شيء مثله".

فكلامه هذا يدل على أن قصد النبي -عليه السلام- بالنهي إلى الطعام لم يمنع فيه أن يدخل في النهي المذكور غير الطعام؛ لأن ابن عباس قد علم منه -عليه السلام- ذلك القصد، ثم قال: "وأحسب كل شيء مثله".

<<  <  ج: ص:  >  >>