للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الثاني: فلا نسلم أن ذلك القول من النبي -عليه السلام- كان على التبايع، ألا ترى إلى قوله لجابر -رضي الله عنه-: "تُرَى أني إنما حبستك لأذهب ببعيرك؟! يا بلال أعطه أوقية وخذ بعيرك فهما لك".

فهذا صريح أنه لم يكن ثمة عقد فضلاً عن أن يكون فيه شرط.

وقال ابن حزم: أخبر -عليه السلام- أنه لم يماكسه ليأخذ جمله؛ فصح أن البيع لم يتم فيه فقط، وإنما اشترط جابر -رضي الله عنه- ركوب جمل نفسه فقط.

وأما الثالث: فلئن سلمنا أن هناك شرطًا قد شرط فيه الركوب، ولكن لا يدل أن الحديث حجة لهم أيضًا؛ وذلك لأن المشروط فيه ذلك الشرط لم يكن بيعًا؛ لأنه -عليه السلام- لم يكن ملك البعير على جابر فكان اشتراط جابر للركوب اشتراطًا فيما هو له مالك.

وقال ابن حزم (١): روي هذا: أن ركوب جابر -رضي الله عنه- للجمل كان تطوعًا من النبي -عليه السلام-، واختلف فيه على الشعبي وأبي الزبير؛ فروي عنهما، عن جابر -رضي الله عنه- أنه كان شرطًا من جابر، وروي عنهما أنه كان تطوعًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنحن نسلم لهم أنه كان شرطًا ثم نقول وبالله التوفيق: إنه قد صح أنه -عليه السلام- قال: "قد أخذته بأوقية"، وصح أنه -عليه السلام- قال: "أَتُرَاني ماكستك لآخذ جملك؟! فخذ جملك ذلك فهو مالك" فصح يقينًا أنهما أخذان: أحدهما فعله رسول الله -عليه السلام-، والآخر لم يفعله، بل انتفى عنه، وهو أنه -عليه السلام- أخذه وابتاعه ثم تخير قبل التفرق ترك أخذه؛ فصح أن البيع لم يتم فيه فقط؛ فيكون اشتراط جابر -رضي الله عنه- اشتراطًا لركوب جمل نفسه فقط، والله أعلم.

ص: وذهب الذين أبطلوا الشرط في ذلك وجوزوا البيع إلى حديث بريرة.

حدثنا يونس، قال: ثنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن عائشة -رضي الله عنها- أرادت أن تشتري بريرة فَتُعْتقها، فقال لها أهلها:


(١) "المحلى" (٨/ ٤١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>