قال أبو جعفر -رحمه الله-: ففي هذا الحديث غير ما في الأحاديث الأُوَل؛ وذلك أن في الأحاديث الأُوَل: أن أهل بريرة أرادوا أن يبيعوها، على أن تعتقها عائشة ويكون ولاؤها لهم، فقال النبي -عليه السلام-: "لا يمنعك ذلك، اشتريها فأعتقيها؛ فإنما الولاء لمن أعتق".
فكان في هذا الحديث إباحة البيع أن يعتق المشتري، وعلى أن يكون ولاء المُعْتق للبائع، فإذا وقع ذلك ثبت البيع بطل الشرط، وكان الولاء للمعتق.
وفي حديث عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت لها:"إن أحب أهلك أن أعطيهم ذلك -تريد الكتابة- صبة واحدة فعلت ويكون ولاؤك لي، فلما عرضت عليهم بريرة ذلك، قالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل، فقال رسول الله -عليه السلام- لعائشة: لا يمنعك ذلك منها، فأعتقيها؛ فإن الولاء لمن أعتق".
فكان الذي في هذا الحديث فيما كان من أهل بريرة من اشتراط الولاء ليس في بيع، ولكن في أداء عائشة إليهم الكتابة عن بريرة، وهم تولوا عقد تلك الكتابية، ولم يكن تقدَّم ذلك الأداء من عائشة ملك، فذكرت ذلك عائشة للنبي -عليه السلام-، فقال: لا يمنعك ذلك منها، أي لا ترجعي لهذا المعنى عما كنت نويت في عتاقها من الثواب؛ اشتريها فأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق، فكان ذكر الشراء ها هنا ابتداء من النبي -عليه السلام- ليس مما كان قبل ذلك بين عائشة وبين أهل بريرة في شيء.
ثم قام النبي -عليه السلام- فخطب فقال:"ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط" إنكارًا منه على عائشة في طلبها ولاء من تولى غيرها كتابته بحق ملكه عليه، ثم نبهها وعلمها بقوله:"فإنما الولاء لمن أعتق" أي أن المكاتب إذا أعتق بالكتابة فمكاتبه هو الذي أعتقه، فولاؤه له.
فهذا حديث فيه ضد ما في غيره من الأحاديث الأول، وليس فيه دليل على اشتراط الولاء في البيع كيف حكمه، هل يجب به فساد البيع أم لا؟