للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال محمد بن شجاع: هو على الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي كقوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (١)، وكقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ} (٢)، ألا ترى أنه -عليه السلام- صعد المنبر وقال: "ما بال رجال ... " إلى آخره.

وقال القاضي: المشكل في هذا الحديث ما وقع من طريق هشام ها هنا، وهو قوله -عليه السلام-: "اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء" كيف أمرها رسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا وفيه عقد بيع على شرط لا يجوز؟ وتغرير بالبائعين إذ اشترطت لهم ما لا يصح وخدعتهم فيه، ولما صعب الانفصال عن هذا على بعض الناس أنكر هذا الحديث أصلاً.

فحكي ذلك عن يحيى بن أكثم، وقد وقع في كثير من الروايات سقوط هذه اللفظة، وهذا ما يشجع يحيى على إنكارها، وأما المحصلون من أهل العلم فطلبوا لذلك تأويلًا واختلفوا فيه، فقال بعضهم: "لهم" ها هنا بمعنى "عليهم"، فيكون معناه: اشترطي عليهم الولاء، وعبَّر عن "عليهم" بلفظ "لهم" كما قال تعالى: {أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ} (٣) بمعنى: عليهم.

وقال آخرون: معنى "اشترطي" ها هنا: أظهري حكم الولاء.

وقال أوس بن حجر: يذكر رجلاً تدلى من رأس جبل إلى نبقةٍ ليقطفها فيتخذ منها قوسًا:

فَأَشْرِط مِنْها نفسه ...

إلى آخره على ما مرَّ الآن، ومعناه: جعل نفسه علمًا لذلك الأمر، ومنه قيل: أشراط الساعة: أي علاماتها، ومنه سُمُّوا أصحاب الشرط؛ لأنه كان لهم في القديم علامات يعرفون بها، ومنه: الشرط في كذا بمعنى أنه علم عليه.


(١) سورة فصلت، آية: [٤٠].
(٢) سورة الإسراء، آية: [٦٤].
(٣) سورة الرعد، آية: [٢٥].

<<  <  ج: ص:  >  >>