فقد اختلف الزهري وهشام في هذا الموضع، فإن كان الاعتبار في مثل هذا القول مَنْ هو أحفظ وأضبط؛ فيكون ما رواه الزهري أولى؛ لأنه أحفظ وأضبط وأتقن من هشام. وإن كان الاعتبار فيه للتأويل؛ فإن قول هشام:"خذيها" قد يجوز أن يكون معناه: ابتاعيها كلفظ الزهري؛ فإن مثل هذا كثير كما ذكره في المتن.
ثم قوله -عليه السلام-: "واشترطي" ليس فيه بيان ما يشترط، فقد يجوز أن يكون أراد: واشترطي ما يشترط في البيوع الصحيحة، فإذا كان الأمر كذلك لا يكون في حديث هشام ما يخالف ما في حديث الزهري، ولا في حديثهما بيان كيف حكم المبيع إذا وقع فيه مثل هذا الشرط هل يكون فاسدًا أو جائزًا؟ فإذا كان كذلك لا يتم به الاستدلال على أن البيع صحيح والشرط باطل.
وقال الطحاوي في "مشكل الآثار" ما ملخصه: أنه لم يوجد اشتراط الولاء في حديث عائشة إلا من رواية مالك عن هشام، فأما من سواه -وهو الليث بن سعد وعمرو بن الحارث- فقد رويا عن هشام من السؤال لولاء بريرة إنما كان من عائشة لأهلها بأداء مكاتبتها إليهم، فقال -عليه السلام-: "لا يمنعك ذلك منها، ابتاعي وأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق" وهذا خلاف ما رواه مالك عن هشام: "خذيها واشترطي؛ فإنما الولاء لمن أعتق" مع أنه يحتمل أن يكون معنى "اشترطي": أظهري؛ لأن الاشتراط في كلام العرب هو الإظهار، ومنه قول أوس بن حجر:
فَأَشْرَطَ فيها نَفْسَهُ وهو مُعْصِمٌ ... فَأَلْقَى بأسبابٍ لَهُ وَتَوكَّلا
أي أظهر نفسه.
أي أظهري الولاء الذي يوجبه عتاقك أنه لمن يكون ذلك العتاق منه دون من سواه.
وقال بعضهم: إن معنى "اشترطي لهم" أي عليهم كقوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}(١).