فقد أبطل عمر -رضي الله عنه- بيع عبد الله، وتابعه عبد الله على ذلك، ولم يخالفه فيه، وقد كان له خلافه أن لو كان يرى خلاف ذلك؛ لأن ما كان من عمر -رضي الله عنه- لم يكن على جهة الحكم، وإنما كان على جهة الفتيا، وتابعتهما زينب امرأة عبد الله على ذلك، ولها من رسول الله -عليه السلام- صحبة، وتابعهم على ذلك عبد الله بن عمر وقد علم من رسول الله -عليه السلام- ما كان من قوله لعائشة -رضي الله عنها- في أمر بريرة، على ما قد رويناه عنه في هذا الباب.
فدل ذلك أن معناه كان عنده على خلاف ما حمله عليه الذين احتجوا بحديثه، ولم نعلم أحدًا من أصحاب النبي -عليه السلام- غير من ذكرنا ذهب إلى غير ما ذهب إليه عمر ومن تابعه على ذلك ممن ذكر في هذه الآثار؛ فكان ينبغي أن يجعل هذا أصلاً وإجماعًا من أصحاب النبي -عليه السلام- ولا يخالف ذلك.
فهذا وجه هذا الباب من طريق الآثار.
ش: أي: وقد خولف القوم الذين أفسدوا البيع بذلك على الشرط، والمخالفون هم بعض الحنابلة، فإنهم قالوا: المراد من الشرطين من نهيه -عليه السلام- عن شرطين في بيعة: هو أن يقع البيع على ألف درهم حالّ أو مائة دينار ... إلى آخره، فهذه الصورة عند هؤلاء يكون فيها ثلاث شروط؛ لأن البيع نفسه شرط، وشرطان آخران: أحدهما: قوله: على ألف درهم حالَّة، والآخر: قوله: أو مائة دينار إلى سنة.
وقال الخطابي: معنى قوله: "ولا شرطان في بيع" هو أن يقول: بعت هذا الثوب نقدًا بدينار، ونسيئة بدينارين، فهذا بيع واحد يضمن شرطين يختلف المقصود منه بأختلافهما وهو الثمن، ويدخله الغرر والجهالة، ولا فرق في مثل هذا بين شرط واحد وبين شرطين اثنين.
قوله:"وكان من الحجة لهم في ذلك ... " إلى آخره، جواب عما قاله هؤلاء المخالفون، بيانه: أن عمر -رضي الله عنه- أبطل بيع عبد الله بن مسعود، وعبد الله تابع عمر على ذلك ولم يخالفه فيه، ولو كان عنده خلافه لخالفه في ذلك، ولكن كان عنده مثل