والسوائب: جمع سائبة وأصلها من تسييب الدواب وهو إرسالها تذهب وتجيء كيف شاءت، وأراد بها أنها كانت سائبة لكل أحد؛ من شاء كان يسكنها، فإذا فرغ منها أسكن غيره بلا بيع ولا أجرة.
ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى هذه الآثار فقالوا: لا يجوز بيع أرض مكة ولا إجارتها، وممن قال بهذا القول: أبو حنيفة ومحمد وسفيان الثوري.
ش: أراد بالقوم هؤلاء: عطاء بن أبي رباح ومجاهدًا ومالكًا وإسحاق وأبا عبيد، فإنهم ذهبوا إلى الآثار المذكورة وقالوا: لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارتها؛ لأنها مباحة غير مملوكة؛ فصار كبيع الصيد في البراري والطير الذي لم يُصَد، وهو مذهب أبي حنيفة ومحمد، وإليه ذهب سفيان الثوري.
وفي "البدائع": لا ينعقد البيع فيما ليس بمملوك، كمن باع الكلأ في أرض مملوكة والماء الذي في نهره أو في بئره، وكذلك بيع الكمأة، وبيع صيد لم يوجد في أرضه لا ينعقد؛ لأنه مباح غير مملوك لانعدام سبب الملك فيه، وكذا بيع الحطب والحشيش والصيود التي في البراري، والطير الذي لم يصد في الهواء، والسمك الذي لم يؤخذ من الماء، وعلى هذا يخرج بيع رباع مكة وإجارتها أنه لا يجوز عند أبي حنيفة -رضي الله عنه-.
ص: وقد روي ذلك أيضًا عن عطاء ومجاهد.
حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا قرة بن حبيب، قال: ثنا شعبة، عن العوام بن حوشب، عن عطاء بن أبي رباح:"أنه كان يكره أجور بيوت مكة".
حدثنا فهد، قال: ثنا ابن الأصبهاني، قال: أنا شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن مجاهد أنه قال:"مكة مناخ، لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها".
ش: أي وقد روي عدم جواز بيع بيوت مكة وعدم جواز إجارتها عن عطاء بن أبي رباح المكي ومجاهد بن جبر المكي، وبيَّن ذلك بقوله: حدثنا أحمد بن داود ... إلى آخره.