للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووجدنا مكة على خلاف هذا؛ لأنه قد أجيز فيها البناء، وقد قال -عليه السلام- يوم دخل مكة: "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ... " الحديث، فهذا يدل على أن مكة مما تبنى فيها الدور ومما تغلق عليها الأبواب، فإذا كان كذلك تكون صفتها صفة المواضع التي تجري عليها الأملاك، وتقع فيها المواريث، فحينئذٍ يجوز بيع الدور التي فيها ويجوز إجارتها، والله أعلم.

وقال ابن قدامة: أضاف النبي -عليه السلام- الدار إلى أبي سفيان إضافة الملك بقوله: "من دخل دار أبي سفيان"، ولأن أصحاب النبي -عليه السلام- كانت لهم دور بمكة: دار لأبي بكر -رضي الله عنه- وللزبير -رضي الله عنه- وحكيم بن حزام -رضي الله عنه- وغيرهم مما يكثر تعدادهم، فبعضٌ بيع وبعضٌ في يد أعقابهم إلى اليوم، وأن عمر -رضي الله عنه- اشترى من صفوان بن أمية دارًا بأربعة آلاف، واشترى معاوية من حكيم بن حزام دارين بمكة إحداهما بستين ألف درهم والأخرى بأربعين ألف درهم، وهذه قصص اشتهرت فلم تنكر فصارت إجماعًا، ولأنها أرض حية لم يرد عليها صدقة محرمة فجاز بيعها كسائر الأراضي.

ثم إنه أخرج حديث أسامة بن زيد بإسناد رجاله كلهم رجال الصحيح: عن يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب زين العابدين، عن عمرو بن عثمان بن عفان، عن أسامة بن زيد بن حارثة -رضي الله عنهم- حِبّ رسول الله -عليه السلام-.

وأخرجه البخاري (١): ثنا أصبغ، قال: ثنا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن عمرو بن عثمان، عن أسامة بن زيد: "قلت: يا رسول الله، أتنزل غدًا في دارك بمكة؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من رباع؟! ثم قال: لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر".


(١) "صحيح البخاري" (٢/ ٥٧٥ رقم ١٥١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>