قال أبو جعفر -رحمه الله-: فهذا حكم المواضع التي الناس فيها سواء ولا ملك لأحد عليها، ورأينا مكة على غير ذلك قد أجيز البناء فيها، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم دخلها:"من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن".
حدثنا بذلك ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة، عن النبي -عليه السلام-.
فلما كانت مكة مما تغلق عليه الأبواب ومما تبنى فيه المنازل كانت صفتها صفة المواضع التبم تجري عليها الأملاك وتقع فيها المواريث.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من جواز بيع دور مكة وإجارتها بحديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-، فإنه يدل على أن أرض مكة تملك وتورث، ألا ترى كيف ذكر فيها ميراث عقيل وطالب بن أبي طالب لما تركه أبو طالب في مكة من رباع ودور ومنازل، وإنما ورث هذان أبا طالب ولم يرثه علي وجعفر أبناء أبي طالب أيضًا لأنهما كانا مسلمين، والمسلم لا يرث الكافر، وكان عقيل وطالب كافرين فلذلك ورثاه.
ثم حديث أسامة هذا يعارض حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي احتج به أهل المقالة الأولى، فإذا تعارض الحديثان ينظر فيهما ليعمل بأصحهما، فنظرنا في ذلك فوجدنا حديث أسامة أصحهما إسنادًا وأقواهما مجيئًا، وهذا ظاهر لا يخفى، فحيئذٍ يسقط حديث عبد الله بن عمرو؛ على أنَّا لم نكتف بذلك، بل كشفنا وجه ذلك من طريق النظر والقياس، فوجدنا أن ما يقتضي به حديث أسامة أولى وأصوب من حديث عبد الله بن عمرو.
بيان ذلك: أن المسجد الحرام وغيره من المساجد وجميع المواضع التي لا تدخل في ملك أحد لا يجوز لأحد أن يبني فيها بناءً أو يحتجز موضعًا منها، ألا ترى أن موضع الوقوف بعرفة لا يجوز لأحد أن يبني فيها بناءً؟ وكذلك منى لا يجوز لأحد أن يبني فيها دارًا؟ والدليل على ذلك حديث عائشة المذكور.