للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رائحتهم، حتى إذا احتلبوا وعطنوا وسكتوا وذهبت عتمة من الليل؛ شننا عليهم الغارة، فقتلنا من قتلنا منهم واستقنا النعم، فتوجهنا قافلين، وخرج صريخ القوم إلى قومهم مغوثًا، وخرجنا سراعًا حتى نمر بالحارث ابن البرصاء وصاحبه، فانطلقنا به معنا، وأتانا صريح الناس فجاءنا ما لا قبل لنا به، حتى إذا لم يكن بيننا وبينهم إلا بطن الوادي؛ أقبل سيل حال بيننا وبينهم بعثه الله تعالى من حيث شاء، ما رأينا قبل ذلك مطرًا ولا حالاً، فجاء بما لا يقدر أحد على أن يقدم عليه، فلقد رأيناهم وقوفًا ينظرون إلينا ما يقدر أحد منهم أن يتقدم ونحن نجوزها سراعًا حتى أسندناها في المشلل، ثم حدرناها عنا، فأعجزنا القوم بما في أيدينا".

وأخرجه أبو داود مختصرًا (١): نا عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج أبي معمر، [قال: ثنا عبد الوارث] (٢)، قال: نا محمد بن إسحاق، عن يعقوب بن عتبة، عن مسلم بن عبد الله، عن جندب بن مُكَيث قال: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن غالب الليثي في سرية وكنت فيهم، وأمرهم أن يشنوا الغارة على بني الملوح بالكديد، فخرجنا حتى إذا كنا بالكديد لقينا الحارث بن البرصاء الليثي فأخذناه، فقال: إنما جئت أريد الإِسلام، وإنما خرجت إلى رسول الله -عليه السلام-، فقلنا: إن تك مسلمًا لم يضرك رباطنا يومًا وليلة، وإن تك غير ذلك نستوثق منك، فشددناه وثاقًا".

قوله: "أن نشن الغارة" الشن -بالشين المعجمة-: الصب المتقطع، والسَّن -بالسين المهملة-: الصب المتصل، والمعنى ها هنا: أن نفرق الغارة عليهم من جميع جهاتهم.

وقال الأزهري: يقال: شننا الغارة عليهم أي فرقناها. وقال غيره: شن الماء على الشراب: فَرَّقه عليه، ومنه قيل: شن عليهم الغارة وأشن إذا فرقها عليهم. والغارة: اسم من الإغارة.


(١) "سنن أبي داود" (٣/ ٥٦ رقم ٢٦٧٨).
(٢) تكررت في "الأصل".

<<  <  ج: ص:  >  >>