ش: أشار بهذا الكلام إلى أن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة، بيان ذلك أن أحاديثهم تدل على وجوب الدعاء قبل القتال، والأحاديث اقي احتجت بها أهل المقالة الثانية أمر فيها رسول الله -عليه السلام- بالغارة، والغارة لا تكون وقد تقدمها الدعاء والإنذار.
فثبت بهذا أن بين هذه الأحاديث تعارضًا، ودفعه لا يكون إلا بأن يكون أحد الأمرين من هذه الأحاديث ناسخًا للآخر، فاعتبرنا ذلك، فوجدنا حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- الذي روى عنه مولاه نافع يدل على أن الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى منسوخة؛ وذلك لأنه صرح فيه بقوله:"إنما ذلك في أول الإِسلام". أراد أن الدعاء قبل القتال كان في أول الإِسلام وفي بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وظهور الإِسلام، فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة فاستغني بذلك عن الدعاء عند القتال.
قال أحمد -رحمه الله-: كان النبي -عليه السلام- يدعو إلى الإِسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإِسلام، ولا أعرف اليوم أحدًا يدعى، قد بلغت الدعوة كل أحد.
ثم إنه أخرج حديث ابن عمر من أربع طرق صحاح:
الأول: عن يزيد بن سنان القزاز شيخ النسائي، عن سعيد بن سفيان الجَحْدري البصري، عن عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري قال:"كتبت إلى نافع ... " إلى آخره.
وأخرجه مسلم (١): ثنا يحيى بن يحيى التميمي، قال: نا سليم بن أخضر، عن ابن عون، قال:"كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إليَّ: إنما كان ذلك في أول الإِسلام، قد أغار رسول الله -عليه السلام- على بني المصطلق وهم غارّون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى سبيهم وأصاب يومئذٍ -قال يحيى: أحسبه قال-: جويرية بنة الحارث".