حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا بشر بن عمر، قال: ثنا حماد بن زيد، عن عمرو ابن دينار، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة، قال:"قيل: يا رسول الله، أوطأت خيلنا أولادًا من أولاد المشركين، فقال رسول الله -عليه السلام-: هم من آبائهم".
حدثنا أبو أمية، قال: ثنا سريج بن النعمان، قال: ثنا ابن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة قال:"قلنا: يا رسول الله، الدار من دور المشركين نصبحها في الغارة فنصيب الولدان تحت بطون الخيل ولا نشعر؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنهم منهم".
فلما لم ينههم رسول الله -عليه السلام- عن الغارة وقد كانوا يصيبون فيها الولدان والنساء الذين يحرم القصد إلى قتلهم؛ دلّ ذلك أن ما أباح في هذه الآثار لمعنى غير المعنى الذي من أجله حظر ما حظر في الآثار الأُوَل، وأن ما حظر في الآثار الأُوَل هو القصد إلى قتل النساء والولدان، والذي أباح هو القصد إلى المشركين وان كان في ذلك تلف غيرهم ممن لا يحصل القصد إلى تلفه؛ حتى تصح هذه الآثار المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تتضاد، وقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالاغارة على العدو، وأغار على آخرين في آثار عدد قد ذكرناها في باب "الدعاء قبل القتال" ولم يمنعه من ذلك ما يحيط علمنا أنه قد كان يعلم أنه لا يؤمن تلف الولدان والنساء في ذلك، ولكنه أباح ذلك لهم؛ لأن قصدهم كان إلى غير تلفهم فهذا يوافق معنى الذي ذكرت مما في حديث الصعب.
والنظر يدل على ذلك أيضًا.
ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه بحديث الصعب بن جثامة فإنه يخبر أنه -عليه السلام- لم ينههم عن الإغارة، والحال أنهم قد كانوا يصيبون في غاراتهم الولدان والنساء الذين حرم -عليه السلام- القصد إلى قتلهم، فدلّ هذا أن الذي منع في الأحاديث التي احتجت بها أهل المقالة الأولى هو القصد إلى قتلهم، والذي في حديث الصعب هو القصد إلى قتل المشركين وإن كان في ضمن ذلك تلف الولدان والنساء، فبهذا المعنى حصل التوافق بين أحاديث هذا الباب وارتفع التضاد الظاهر.